تنامي ظاهرة «المقاهي الأدبية» في المدن المغربية

تجربة «المنال» كانت رائدة.. وارتباط المقهى بالأديب بدأ مع محمد الصباغ ومحمد شكري

TT

تزايدت ظاهرة الإقبال على المقاهي الأدبية في المغرب، باعتبارها مكانا ملائما يلتقي فيه الأدباء والمثقفون الجمهور. ويرى كتاب ومبدعون مغاربة أن المقاهي الأدبية ساعدت فعلا في تقريب إنتاجاتهم إلى أكبر شرائح من الجمهور.

في هذا السياق يقول عبد الرحيم العلام، الناطق باسم اتحاد كتاب المغرب: إن المقاهي الأدبية «استطاعت أن تستقطب حضورا مهما، وبسرعة لافتة، عبر ظهورها المتواتر في عدد من المدن، مثل الرباط والقنيطرة ومراكش وآسفي وتطوان وأغادير». ويشير العلام إلى أن «الرباط هي المدينة الأولى التي ظهرت فيها المقاهي الأدبية بمفهومها المتداول حاليا، مع أنه سبقها نوع خاص من المقاهي، مثل تلك التي اعتاد بعض الأدباء على ارتيادها، وجعلوا منها مكانا لمواعدهم ولقاءاتهم وتواصلهم، كما هو الحال بالنسبة للمقهى الذي كان يرتاده الأديب محمد الصباغ في تطوان أو الذي كان يرتاده محمد شكري في طنجة».

والواقع أن المقاهي الأدبية شهدت تناميا ملحوظا في الفترة الأخيرة، وكانت البداية في الرباط مع التجربة الرائدة التي بادرت بها جمعية «الشعلة» في تدشينها «المقهى الأدبي» في حي «المنال» في العاصمة المغربية. ولقد استضاف «المقهى» عشرات الأدباء والإعلاميين والمثقفين، منهم من تولى فيما بعد حقيبة وزارة الثقافة مثل الشاعر محمد الأشعري والفنانة ثريا جبران ووزير الثقافة الحالي بن سالم حميش.

في هذا السياق، قال العلام: «إن تجربة اتحاد كتاب المغرب مع فرع جمعية الشعلة في الرباط كانت رائدة ومتميزة وفريدة من نوعها؛ إذ فكر الجانبان في خلق مقهى أدبي بحي شعبي، وتحديدا في مقهى يوجد بمجمع (المنال التجاري) في (حي يعقوب المنصور). ولقد تمكن هذا المقهى من اجتذاب الجمهور، الذي أقبل على حضور نشاطاته ولقاءاته الأدبية والفنية والتكريمية، ومن ثم تمكن من استضافة عدد كبير من الفعاليات الأدبية والفنية، لجمهرة من الشعراء والقصاصين والروائيين والممثلين».

تجدر الإشارة إلى أن المغرب عرف مقاهي اشتهرت قبل ظهور «المقاهي الأدبية». وكانت شرائح من النخب تحرص على الالتقاء فيها، كما هو الشأن بالنسبة لمقهى «لا كوميدي» في مدينة الدار البيضاء، كبرى الحواضر المغربية، أو مقهى «باليما» في قلب وسط العاصمة الرباط، غير أن حتى بعض أصحاب هذه المقاهي يرحبون اليوم بفكرة «المقهى الأدبي»، بل إن منهم من تبرع، خلال لقاءات معينة، بمشروبات مجانية على زبائنه، بالتزامن مع تنظيم نشاطات ثقافية وأدبية.

ويرى العلام أن «هذا التصرف لم يأتِ من منطلق الدعاية التجارية للمقهى، بل من منطلق الشعور بضرورة الاحتفاء بالأدباء والفنانين». ثم أضاف: «لقد أتيحت لي بعض الفرص للحضور والمشاركة في نشاطات ثقافية داخل بعض «المقاهي الأدبية»، في مدن الرباط والمحمدية وآسفي والدار البيضاء، في إطار لقاءات مفتوحة مع بعض وجوه الثقافة، من بلادنا ومن خارجها. وخلقت هذه التجربة الممتعة لديَّ لحظة توهج مغايرة لما كنت قد ألفته خلال لقاءات معقودة داخل فضاءات مغلقة ومألوفة، مع جمهور من نوع متنوع وغير معروف، هم أناس مختلفون، تجدهم لا يترددون في الترحيب بهجومنا غير المتوقع على خلوتهم».

وتابع العلام: «حدث أن شاهدت، لأول مرة، مكتبة متواضعة تزين أحد أركان مقهى بإقامة الصباح في الرباط، واسترعى انتباهي أيضا تسمية ذلك المقهى (المقهى الأدبي). وبالمصادفة أيضا، حدث أن حضرت أحد نشاطات هذا المقهى، بمشاركة ثلة من المبدعين والعرب. ويومذاك دفع ضيق المقهى بالمنظمين إلى نصب خيمة أمامه، وشكل ذلك اللقاء حدثا ثقافيا وأدبيا لافتا وسط حي شعبي».

وحقا، تزايد في الآونة الأخيرة عدد «المقاهي الأدبية» في الرباط، من قبيل مقهى «الرندة» والمقهى التابع لمؤسسة «شرق وغرب» ومقهى «طلة»، فضلا عن مقهى «المثلث الأحمر»، حيث يلتقي عدد من الفنانين والكتاب. كذلك توالى فتح «المقاهي الأدبية» في مدن أخرى مثل مقهى «القصر الذهبي» في الدار البيضاء و«لا كوميدي» في فاس ومقهى «الياقوت» بالقنيطرة و«المقهى الأدبي» في آسفي.