سوق «الخيامية» في القاهرة تراهن على السياحة والسرادقات الرمضانية

منتجاتها دخلت ميدان التحرير وأصبحت أحد رموز الثورة

خيام ميدان التحرير أصبحت من رموز الثورة («الشرق الأوسط»)
TT

«التجارة شطارة.. والرزق يحب الخفية»، هذه العبارة رغم بساطتها فإنها تحولت إلى معضلة تجارية، قلما تتكرر كثيرا. فكل تاجر يحلم بأن تنتشر السلعة التي يتاجر بها في أكبر الميادين وتسود صورها شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد. لكن يبقى لكل قاعدة استثناء، وتجار الخيام هذه المرة هم الاستثناء، ففي الوقت الذي انتشرت الخيام وغطت ميدان التحرير بقلب القاهرة أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) لتشهد على مرابطة الثوار المعتصمين لحين رحيل النظام، وعادت الآن إلى الميدان مع انطلاق ثورة الغضب الثانية و«جمعة الثورة أولا» في 8 يوليو (تموز) الحالي في أكبر الميادين بالبلاد، مثل ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية وميدان الأربعين بالسويس، ما قد يثير انطباعا بأن تجارة الخيام تعيش موسم ازدهار، بعد أن كانت تعاني سوقها كسادا حادا.

في قلب القاهرة، تتزايد الخيام في ميدان التحرير يوما بعد يوم مع دخول بعض المتظاهرين في اعتصام مفتوح. وعن أعداد الخيام في الميدان قال محمد سيد، أحد المعتصمين من حركة «كفاية»: «في ذروة الثورة تراوحت أعداد الخيام بين 300 و400 خيمة، واليوم هي في تزايد من جديد».

ومع ذلك، يؤكد محمد عزت (25 عاما)، الذي يعمل مع والده في تجارة الخيام، أن «الاعتصامات تسببت في كساد التجارة بسبب توقف حركة السياحة الداخلية والخارجية».

وعلى العكس لا يرى عزت تأثيرا إيجابيا للاعتصامات على تجارة الخيام، وعلى حد قوله: «لم نشعر سوى بالخسارة».

لكن، هذا التناقض يفك لغزه هاني نجيب (36 عاما)، تاجر خيام، على النحو التالي حيث يقول: «معتصمو الميادين لا يملكون أموالا لشراء خيام، ويعتمدون بدلا من ذلك على البطاطين في صنع خيام لهم. أما الخيام المنتشرة في الميادين فتخص بضعة أحزاب وحركات سياسية اشترتها من فترة بعيدة».

وتتنوع أسعار الخيام تبعا لعدة عوامل، أبرزها مساحة الخيمة ونوعية الخامة التي صنعت منها. ويشرح هاني أن: «الخيمة مثل البيت، يختلف سعرها حسب اتساعها وارتفاع سقفها ونوع الخامة. أصغر الخيام هي تلك المصنوعة للأطفال وتبلغ مساحتها مترا واحدا في متر واحد، ويبلغ سعرها نحو 150 جنيها. وليس هناك ما يمكن وصفه بأكبر خيمة، فنحن نصنع الخيام حسب الطلب، وبمقدورنا تغطية شارع كامل بخيمة».

إلا أنه بوجه عام تتراوح أسعار غالبية الخيام الجاهزة بين 500 و1200 جنيه، وتتسع الأولى في العادة لشخصين، بينما تتسع الأخرى لقرابة 20 فردا. وقال هاني: «المقاسات المتفق عليها المنتشرة هي متران في مترين، وهي خاصة بالمصايف، و3 أمتار في 3 أمتار، و4 أمتار في 4 أمتار»، في إشارة إلى مقاسات طول وعرض الخيمة.

من بين العوامل أيضا الخامة التي تصنع منها الخيمة، حيث شرح أن «سعر خامة القماش المصنوع منها الخيمة يتراوح بين 12 و18 جنيها حسب الجودة. أما الخيام المضادة للمياه والحرائق فتجري لها معالجات خاصة ويصل سعر المتر منها إلى 40 جنيها».

تنتشر مراكز بيع الخيام في أحياء مختلفة من القاهرة مثل جسر السويس وباب الشعرية ووكالة البلح، لكن تبقى السوق الرئيسية هي شارع الخيامية في الدرب الأحمر. ويمكن الوصول إلى السوق من طرق عدة، ربما أيسرها عبر شارع بورسعيد التجاري الشهير، ويقع سوق «الخيامية» قبالة باب زويلة، المعروف في المنطقة باسم باب المتولي، أحد أبواب القاهرة القديمة.

يتميز الشارع بالشكل التقليدي لدروب القاهرة القديمة التي أبدع الروائي العالمي نجيب محفوظ في وصفها، ويبلغ في بعض الأماكن درجة من الضيق لا تسمح بمرور سيارات لتقتصر الحركة بداخله على المشاة.

من أمام باب زويلة، يبدو الدرب كسرداب سحري، ذلك لأنه مغطى من أعلى فلا تخترقه أشعة الشمس سوى قليلا. لدى الدخول إليه، تتجاذب العين الألوان المتنوعة الزاهية من الجانبين لأقمشة خيام يغلب على نقوشها الخطوط الطولية. تنتشر متاجر بيع الخيام على الجانبين على امتداد الشارع. ويرجع تاريخ ظهور هذه التجارة في المنطقة إلى مطلع القرن الماضي، ربما الثلاثينات تحديدا، ويعد شارع الخيامية واحدا من أبرز أسواق الخيام على مستوى العالم العربي. ومع ذلك، تبقى السوق خالية تقريبا، بينما يجلس أصحاب المتاجر أمامها يحتسون الشاي والقهوة ويتبادلون أطراف الحديث.

يتمثل الموسم الرئيسي لهذه التجارة في فصل الصيف وشهر رمضان، حيث تعد الخيام من العناصر الأساسية في رحلات السفاري التي يعشقها السائحون، بجانب الموسم الكبير للخيام في شهر رمضان مع عقد موائد الإفطار والسحور داخل الخيام الرمضانية الشهيرة. أيضا، تعد الشركات الكبرى من بين أكبر عملاء هذه السوق حيث تحرص على شراء خيام كبيرة لمبيت عمالها بمواقع العمل النائية، بجانب اعتماد السوق الكبيرة على التصدير لدول عربية.

في سؤاله حول الاختلاف الذي طرأ على البيع، أجاب هاني، الذي ورث تجارة الخيام عن والده وجده: «مفيش بيع أصلا. نحن نعتمد على الشركات والمصانع الكبيرة التي تطلب خياما لمواقع العمل لتوفير إقامة لعمالها، وكثير منها توقف عن العمل الآن. ونعتمد على السياحة، والسياحة تراجعت، ونعتمد على التصدير للدول العربية والكثير منها يعاني اضطرابات الآن، وخيام ميدان التحرير، مجرد رمز لا يذكر في عرف تجارتنا».

وأضاف: «المفروض أنني الآن في قلب الموسم مع اقتراب رمضان والمفترض أن يكون الازدحام شديدا على المتاجر لشراء الخيام، لكن كما ترين الشارع خالي».

وعن تصوره للخروج من هذه الأزمة يقول هاني بنبرة أسى: «الأمر يتوقف على استقرار الأوضاع في البلد، وأن يسترد الاقتصاد عافيته، ويعود الانتعاش لقطاع السياحة»، ثم يرفع يديه إلى السماء: «ربنا يستر وتنفرج هذه الغمة قريبا، نحن يقع على عاتقنا مسؤوليات، ولدينا أسر تحتاج لمصاريف».