«داير ما يدور».. مبادرة تعيد إحياء تراث واحة سيوة بمصر

تتضمن تعليم فنون الحرف المهددة بالانقراض وتسويقها محليا ودوليا

يركز المشروع على تعليم أهالي المنطقة أفضل طرق التصنيع للخروج بمنتج جيد وعلى مستوى عال
TT

يعد تراث واحة سيوة الحرفي اليدوي أحد العناصر المهمة في نسيج الفن التلقائي في مصر، ويشكل مقوما أصيلا في التراث الثقافي الشعبي المحلي والإنساني. وللحفاظ على هذا التراث وتنميته، ودعم مجتمع سيوة يأتي مشروع «داير ما يدور» كمبادرة تعيد لهذا التراث ألقه، وتحافظ عليه من الانقراض.

إسلام الضوي رسام ومصمم غرافيك، مؤلف قصص أطفال، صاحب فكرة المشروع، يقول عنه: بداية الفكرة جاءت عندما قمت بزيارة إلى واحة سيوة عام 1995 وعشقت طبيعة المنطقة والجو التراثي المميز الذي تتمتع به. ولفترة طويلة عملت مع مؤسسات ثقافية متعددة إلى أن قررت القيام بتنفيذ مشروع «داير ما يدور»، واستغرق الأمر فترة نحو سنة كاملة للبحث ودراسة الحرف التراثية المحلية في المنطقة والتعامل مع الناس، حيث إن اختراق مجتمع مثل المجتمع السيوي ليس بالأمر السهل لطبيعة التقاليد المحافظة في المنطقة، وبدأت في البحث عن أقدم وأمهر الأشخاص في كل حرفة ليقوموا بتعليمها للآخرين.

ويذكر الضوي أن أهم الحرف التي يركز عليها المشروع هي الحرف اليدوية البيئية التي إن لم نحافظ عليها فإنها ستكون في طريقها إلى الانقراض، مثل حرف الخوص وجريد النخل والنجارة من خشب الزيتون، وفلق النخل، وحرف الفخار، وصناعة الكليم والمنسوجات السيوية، فنحن نسعى إلى إحياء هذه الحرف وتطويرها وخلق أسواق لها. فهذه الحرف كانت معرضة للاندثار وأعداد الحرفيين فيها قليلة جدا، وإن لم يتم تعليم هذه الصناعات لآخرين من الأجيال الجديدة فإنها ستنقرض، ولن يبقى لها وجود. وبالفعل هناك حرف يمكن أن نقول إنها انقرضت مثل حرفة الفضة التي كانت تتميز بها سيوة.

وبحسب الضوي فإن المشروع ركز على 8 قرى في منطقة سيوة يبدأ العمل فيها لمدة شهر ونصف الشهر، يتم على محورين؛ الأول يركز على إعداد تصميمات صالحة للتنفيذ ومقتبسة من البيئة. ويستعين المشروع في هذا بفنانين وأساتذة من الجامعة من كلية الفنون لوضع التصميمات المقتبسة من البيئة السيوية المحلية. ويركز المحور الثاني على تعليم أهالي المنطقة أفضل طرق التصنيع للخروج بمنتج جيد وعلى مستوى عال.

يتابع الضوي: بعد مرور الشهر ونصف الشهر نقيم معرضا وحفلة صغيرة في القرية لعرض ما تم إنتاجه من حرف تراثية، ومن كل قرية نقوم بتعليم نحو خمسين شخصا من الرجال والنساء، فهناك حرف تقليدية تكون مناسبة للرجال مثل أعمال الخوص والنجارة، وهناك حرف أخرى مناسبة للنساء مثل التطريز الذي تتميز به سيدات منطقة سيوة، إضافة إلى صناعات الفخار والصوف. ونسعى إلى إضافة حرفة أخرى في المرحلة القادمة وهي النحت على الملح حيث يوجد في سيوة ملاحتان، ويمكن إنتاج وحدات إضاءة أو طفايات وحدات ديكور عن طريق النحت على الملح.. إضافة إلى ذلك لدينا مكتبة عامة في المنطقة للقراءة واستعارة الكتب للكبار والصغار، وبها مكان لتعليم الرسم، ومشغل للحرف اليدوية، ومعرض دائم، إضافة إلى فصول محو الأمية للسيدات فكثير منهن لا يتقن العربية، وما زلن يستخدمن اللغة الأمازيغية التي تتميز بها سيوة وهي لغة شفاهية.

وحول اختيار اسم «داير ما يدور» للمشروع يوضح الضوي أنه جاء من أننا نقوم بجولات ونتنقل في القرى المختلفة في منطقة سيوة للتعرف على الحرف التراثية وإقامة ورش العمل وجمع التراث السيوي، فالاسم مناسب للهدف كما أنه بسيط ومشتق من الثقافة الشعبية، ونحن لا نركز فقط على الصناعات والحرف، لكننا نسعى إلى جمع كل ما يتعلق بالتراث السيوي. وقمنا أيضا بالسعي لجمع التراث المحكي في سيوة، وهو تراث غني جدا، وهناك العديد من القصص والحكايات السيوية وبعضها يتمتع بحس خيالي مدهش، غير واقعي، كما يعتمد بعضها على الأساطير والجن، وبعضها وطني يتعلق بالمقاومة الشعبية لأهالي سيوة ووطنيتهم في وقت الحرب.. فقمنا بجمع هذه الحكايات وطباعتها في كتاب تحت عنوان «حكايات الصحراء بين الماضي والحاضر»، ونسعى في الفترة القادمة إلى إعادة طباعته باللغة العربية والإنجليزية في إطار توثيق هذا التراث.

وعن العقبات التي واجهتهم، يوضح الضوي أن مشكلة منطقة سيوة أنها لفترة طويلة جدا كانت معزولة ومنغلقة على نفسها، حتى إن طريق الإسفلت الموصل إليها عمره ثلاثون عاما فقط، وقبل ذلك كان الوصول إليها صعبا ويستغرق وقتا وجهدا كبيرا جدا مما أثر على التراث السيوي والحفاظ عليه، إضافة لبعد المنطقة عن أي جهود تنموية أو جهات ثقافية تسعى للحفاظ على التراث الشعبي لهذه المناطق باعتباره جزءا من التراث المصري لا يمكن تجاهله وجزءا من التراث الإنساني بشكل عام.

وحول مستقبل المشروع وسبل استمراريته، يقول الضوي: في إطار مشروعاتنا لدعم منطقة سيوة ثقافيا لدينا شراكة حاليا مع مكتبة الإسكندرية، حيث يقومون بإمدادنا بالكتب وتنظيم ورش عمل ونقوم بعمل تبادل بالتعاون مع المكتبة في الرحلات بين سيوة والإسكندرية مرتين في السنة، حيث نصطحب وفدا من سيوة إلى المكتبة ونصطحب بعض شباب الإسكندرية في رحلة إلى واحة سيوة للتعرف على طبيعتها والاطلاع على التراث السيوي، أما بالنسبة لمشروعاتنا في الفترة القادمة فلدينا مشروعات متعددة، فنسعى لعمل خطوط إنتاج محددة للحرف التراثية حتى يمكن أن نقوم بعملية تسويق منظم، ويكون هناك منتج بجودة عالية، وهذا متوافر، وفي هذه الحالة سنتمكن من تحقيق ربح جيد يمكن أن يعود على المواطن السيوي، ونكون في النهاية حافظنا على التراث وهو الهدف الأساسي.