السعودية: الأعمال اليدوية النسائية.. من «التواضع» إلى قمة «الإبداع»

«بيض النعام» و«الصلصال الحراري» أبرز ما يميزها

عملان إبداعيان من الصلصال الحراري («الشرق الأوسط»)
TT

بعد أن ظلت تتوارى خجلا مغلفة بشيء من التواضع، ظهرت الأعمال اليدوية النسائية في السوق السعودية أخيرا بشكل بعيد عن التوقعات، خصوصا أنها باتت تعتمد على انتقاء الأدوات والفنون الغريبة التي تنفذها أنامل أشبه ما تكون بـ«الذهبية» لتطلقها إلى الخارج بأشكال يملأها الإبداع.

الكثير من المواد التي قد لا تعني شيئا لبعض أفراد المجتمع، أصبحت تشكل مصادر لإنتاج مقتنيات تتهافت النساء السعوديات بكافة شرائحهن العمرية على اقتنائها، مستخدمة في تزيين ديكورات المنازل أو الأدوات الشخصية المستخدمة بشكل يومي، وذلك في محاولة منهن للتميز فيما بينهن. ولعل من أغرب تلك المواد هو بيض النعام، حيث تقوم نسيبة الشيخ إحدى طالبات جامعة الملك عبد العزيز في جدة بتشكيلها كيفما أرادت، لتحوّلها إلى تحف منزلية ووحدات لإضاءة حجرات نوم الأطفال وكوش الأعراس، إلى جانب تشكيلة على هيئة علب لحفظ الحلوى وفواحات عطرية.

وتقول خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أحصل على بيض النعام من إحدى السيدات التي تعد الممولة الرئيسية لطالبات الجامعة المتخصصات في مجال التصاميم والفنون، إذ إنها تجلب لنا نوعين من البيض؛ أحدهما أفريقي يتميز بحجمه الصغير، والآخر من النوع الأسترالي ذو الحجم الكبير»، مشيرة إلى أن سعر البيضة الواحدة الخام يصل إلى 50 ريالا.

وبيّنت أن فكرة استخدام بيض النعام في إنشاء تلك المنتجات جاءت نتيجة دراستها لمادة تحمل اسم «أشغال مستهلكات»، التي تعلمت من خلالها كيفية تحويل المواد الاستهلاكية إلى منتجات جمالية، لافتة إلى أنها بدأت في تنفيذ تحف منزلية عن طريق الرسم عليها، ومن ثم تطويرها كوحدات للإضاءة، المسماة بـ«الأباجورات».

وأضافت: «عادة ما أستخدم أدوات الحفر للتشكيل على البيضة، إلى جانب الألوان الزيتية ومادة الـ(إكروليك) وخامات أخرى كورق الذهب والمخمل والمعدن والجلد، التي أستخدمها لتطعيمها»، مؤكدة وجود إقبال كبير على وحدات الإضاءة ونحت الأسماء ومجمل الإكسسوارات المنزلية.

وحول إمكانية الحفر على بيضة النعامة، أفادت نسيبة بأن قشرة البيضة سميكة جدا وشبيهة بمادة السيراميك، مما يساعدها في حفرها بسهولة وبطريقة لا تختلف عن عملية النحت، مضيفة: «تستغرق مني هذه الخطوة ما بين 4 و6 ساعات متواصلة». علب الحلوى ببيض النعام، تعتمد على القيام بتقسيم البيضة من منتصفها إلى قسمين، ومن ثم تغليفها من الداخل ووضع الحلويات بها، إلا أن بيضة النعامة عادة ما تكون شديدة السمك، الأمر الذي يضمن عدم تعرضها للكسر، وذلك بحسب ما ذكرته نسيبة، التي زادت: تتراوح أسعار مبيعاتي ما بين 150 و600 ريال.

الصلصال الحراري، مادة خام تستخدمها ماريا بشاوري في صنع أشكال صغيرة وتحويلها إلى ميداليات للمفاتيح وتعليقات لتزيين أجهزة الهواتف الجوالة، وأساور لليد وسلاسل للعنق وأقراط وخواتم للزينة، حيث تستهدف في ذلك فئة الفتيات العمرية ما بين 12 و25 عاما.

وأوضحت ماريا، التي تعمل على تصنيع تلك الأشكال بمشاركة صديقتها روان الحمياني، أن الصلصال الحراري عادة ما يكون قاسيا جدا، مما يجعلها تستخدم مادة زيتية خاصة لعجنه، ومن ثم تشكيله وإدخاله إلى الفرن ودهنه فيما بعد بمادة ملمعة لحمايته من التشقق أو التكسر.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نشتري بعض الخامات من السوق، في حين نطلب البعض الآخر عن طريق شبكة الإنترنت، ولا سيما أن هناك نوعين من الصلصال الحراري، أحدهما قاس جدا والآخر أقل قسوة وأكثر سهولة في العجن»، مبينة أن صنع الأشكال كافة يدوي، إلا أنها بعثت منذ شهر بطلب لشراء قوالب خاصة من أميركا.

فكرة صنع الأشكال الصغيرة بالصلصال الحراري جاءت نتاج بحث ماريا وصديقتها عن أفكار غريبة عبر المواقع الإلكترونية للمشاركة بها في معرض «صنع بيدي» السنوي، الذي تنظمه جامعة الملك عبد العزيز بجدة، خصوصا أنهما يدرسان مجال الملابس والنسيج التابع لكلية الاقتصاد المنزلي في الجامعة.

وأكدت ماريا على أن الخامات التي تستخدمها وصديقتها مكلفة للغاية، ولا سيما أن المادة الأساسية المخصصة لعجن الصلصال يصل سعرها إلى 100 ريال للقارورة الصغيرة، غير أنها استدركت قائلة: «بإمكاننا تغطية رأس المال وتحقيق الأرباح من خلال مبيعاتنا في البازارات وغيرها».

وزادت: «ما نعاني منه فعلا هو عملية عجن الصلصال، حيث إننا نستغرق يوما كاملا لإتمامها، إلا أننا فكرنا مؤخرا باستخدام آلة الـ(عجّانة) لهذا الغرض، وذلك بعد تفتيت الصلصال الحراري وإضافة المادة الزيتية له»، مشيرة إلى أنها أصبحت تركز على الإنتاج الكمي في الآونة الأخيرة، خصوصا أنها باتت تنتج نحو 20 قطعة يوميا.

وفي ما يتعلق بأسعار منتجاتها، أبانت بشاوري أنها تتراوح ما بين 10 و30 ريالا، موضحة في الوقت نفسه أنها لا تعلم بمدى إمكانية استمرارها في ذلك المشروع مع صديقتها، خاصة أنهما متفرغتان حاليا للتخرج في الجامعة.

الجدير بالذكر أن هذه المنتجات جاءت ضمن المعرض المصاحب لملتقى الحرفيات الأول، الذي نظمته مؤخرا أكاديمية نفيسة شمس؛ حيث حمل المعرض اسم «أصالة وإبداع»، والمتكون من مساحات حرة لعرض واقتناء قطع فنية تروي قصص الأمس وحكايات اليوم.

وكانت غادة بفلح، مديرة التسويق والعلاقات العامة في الأكاديمية، قد قالت في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»: «يتضمن المعرض الفني منتجات أكاديمية نفيسة شمس، إضافة إلى بازار يحوي منتجات تتسم بالإبداع، وذلك من أجل تسليط الضوء على المواهب الشابة في المجتمع السعودي، خصوصا أن هؤلاء الموهوبات بدأن في الاتفاق مع الأكاديمية بشأن تقديم برامج تدريبية ضمن الكثير من ورش العمل»، مؤكدة على وجود فرص وظيفية كثيرة ينبغي على الفتاة البحث عنها بعيدا عن العمل الإداري.

وفي ما يتعلق بالعائد المادي من مبيعات المنتجات، أفادت بأنها تعود بالكامل إلى صاحبات المنتجات أنفسهن، سواء كن من داخل الأكاديمية أو خارجها، مضيفة: «تم تأجير الأركان البالغ عددها 30 ركنا لمن هن من خارج الأكاديمية بأسعار رمزية جدا»، موضحة في الوقت نفسه أن الهدف الأساسي يتمثل في دعم المشاركات عن طريق حضور سيدات الأعمال وباب «رزق جميل».