«سوق ليبيا» تتجمل للمصطافين على الحدود المصرية الليبية

تحاول النجاة من الاضطرابات السياسية

سوق ليبيا في مدينة مرسى مطروح («الشرق الأوسط»)
TT

تحاول «سوق ليبيا» الكائنة بمدينة مرسى مطروح على الحدود المصرية الليبية، النجاة من الاضطرابات السياسية التي تشهدها مصر وليبيا، وبدأت منذ الشهر الماضي تجميل نفسها على أمل وصول أعداد متزايدة من المصطافين، للمدينة الواقعة على البحر المتوسط، على بعد نحو 500 كيلومتر شمال غربي القاهرة. وبالإضافة إلى شح البضائع التي كانت تأتي عبر حدود مصر مع ليبيا، بسبب النزاع المسلح بين الثوار وحكم العقيد معمر القذافي، ما زال تجار السوق يتخوفون من تراجع إقبال المصطافين هذا الموسم، على خلفية الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق، حسني مبارك. ويقول جمعة حسين، صاحب محل عطور في سوق ليبيا، إنه بعد سنوات من اعتماد السوق على البضائع التي يجلبها التجار من دول المغرب العربي عبر الحدود، أصبحت «سوق ليبيا» تعاني من النقص الحاد في هذا النوع من البضائع التي تشمل الملابس والعطور والأدوات المنزلية وغيرها، وذلك بسبب الاضطرابات في ليبيا.

وظهرت «سوق ليبيا» في مطلع تسعينات القرن الماضي مع اتجاه مصر للانفتاح على ليبيا. ومنذ ذلك الوقت أصبحت السوق نافذة للمنتجات التي يندر وجودها في باقي الأسواق المصرية. وبمرور الوقت تحولت السوق إلى مزار للتسوق يقبل عليه زوار تلك المدينة السياحية، التي يحدها البحر من الشمال والصحراء من الاتجاهات الثلاثة الأخرى.

وبسبب قلة الأمطار وتزايد الجدب الذي يرجعه البعض للتغيرات المناخية التي تضرب العالم منذ عدة سنوات، أصبح غالبية سكان مرسى مطروح يعتمدون على التجارة وعلى المصطافين من زوار المدينة، الذين يصل عددهم في الموسم الصيفي إلى أكثر من خمسة ملايين.

ويضيف جمعة حسين: «في شهر يونيو (حزيران) من كل سنة يبدأ الموسم الصيفي، لكن في الموسم الحالي تأخر المصطافون، لكن العدد بدأ في التزايد منذ بداية هذا الشهر يوليو (تموز).. أعتقد أن السبب هو الحر الشديد في القاهرة، مع عودة الشعور بالأمن بعد أحداث الثورة».

ومنذ تأسست «سوق ليبيا» أصبحت مقياسا على درجة إقبال المصطافين على المدينة، ومقياسا على نوعية المصطافين ومدى قدرتهم على الشراء. وزادت أهمية السوق مع انفتاح ليبيا على الغرب في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن الثورة الشعبية التي اندلعت ضد نظام حكم القذافي يوم السابع عشر منن شهر فبراير (شباط) الماضي، أصابت «سوق ليبيا» في مقتل، خاصة بعد أن طال أمد النزاع المسلح بين الثوار وحكم العقيد الليبي، معمر القذافي.

وسريعا أدرك التجار في «سوق ليبيا» أن قدوم البضائع من ليبيا ودول المغرب العربي سيتأخر لوقت طويل. وقبل موسم الصيف الحالي، تمكنوا من جلب آلاف الأطنان من السلع من السوق المصرية، من القاهرة والإسكندرية وغيرهما، إضافة إلى تزايد المنتجات المحلية من النعناع الناشف والتمر وزيت الزيتون وبذور اللب، إضافة لبعض الصناعات اليدوية من الجلود والأصواف، كالأحذية والسجاد وغيرها، وذلك في محاولة لسد حاجة زوار المدينة.

يقول علواني محمد علواني، صاحب محل عطور في «سوق ليبيا»: «كانت البضائع هنا تقتصر على ما يأتي به التجار من ليبيا ومن تونس، ومن المغرب العربي عموما، لكن إقبال المصطافين على السوق، تسبب في ظهور الكثير من المنتجات المحلية التي تشتهر بها مدينة مرسى مطروح، مثل زيت الزيتون، والزيتون، والتمور، والنعناع، وبذور اللب، وأعشاب التداوي الشعبية، وغيرها».

ويضيف: «إن الاضطرابات في ليبيا وتونس تسببت في نقص بضائع المغرب العربي، التي هي في الأساس بضائع مستوردة من تركيا واليونان وإيطاليا وغيرها من دول البحر الأبيض المتوسط، لكن يندر أن يوجد لها مثيل في باقي الأسواق المصرية بنفس الأسعار الزهيدة التي تباع بها هنا.. مثل أنواع معينة من ماركات العطور العالمية والملابس وخلافه».

و«سوق ليبيا» الحالية هي في الحقيقة امتداد للشارع التجاري الذي اشتهر بالمدينة في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وكان يعرف باسم «شارع المهربين»؛ نظرا لتهريب غالبية السلع من ليبيا التي كانت أسواقها منفتحة على العالم الخارجي في منذ مطلع الستينات، أي قبل حكم العقيد الليبي، معمر القذافي، مقارنة بانغلاق أسواق مصر في تلك الفترة، أيام حكم الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر.

وانتهت سوق «شارع المهربين» مع الخلافات التي نشبت في أواخر السبعينات بين القذافي والرئيس المصري الراحل، أنور السادات. ومع تطبيع العلاقات العربية مع مصر، في ثمانينات القرن الماضي، والتقارب الذي جاء بعد ذلك بين مبارك والعقيد الليبي، بدأت السوق تعود في مكان جديد باسمه المعروف به في الوقت الراهن، وهو «سوق ليبيا». ومرت السوق خلال أكثر من عشرين سنة من وجودها بعدة مراحل تشردت فيها عدة مرات. وكان موقعها الأول الذي ظهرت فيه قرب قلب المدينة، مشرفة على شارع الجلاء ومبنى ديوان المحافظة. وفي ذلك الوقت تعرضت السوق لظروف صعبة بسبب الحصار الذي فرضته الدول الغربية على ليبيا، وضعفت كمية المنتجات والسلع التي كانت ترد إليها من المغرب العربي، بما فيها المنتجات التي كانت تستوردها تلك الدول من بلدان البحر المتوسط.

لكن الطفرة التي شهدتها «سوق ليبيا» بعد انتهاء فترة العقوبات على طرابلس الغرب، جعلت المسؤولين بمرسى مطروح يفكرون في إبعاد السوق عن قلب المدينة. كان هذا منذ نحو تسع سنوات، وحينها ظهر مشروع لإقامة سوق جديدة بواسطة القطاع الخاص، على أن يكون مقرها في الطرف الغربي من المدينة، على الطريق المؤدية إلى مطار مرسى مطروح، وإلى الطريق الدولية المؤدية إلى ليبيا.

وتتكون «سوق ليبيا» من أكثر من خمسمائة محل صغير. والمحال مصفوفة على جانبي دروب ضيقة، يبلغ عرض الدرب نحو مترين، ويزيد طول بعضها على مائتي متر. وبعض الدروب تلتف في مسارات دائرية حول السوق، حيث تصطف البضائع من كل شكل ولون.

ويقل عدد الزبائن في النهار، حيث ينشغل الزوار بالاستمتاع بالسباحة في شواطئ المدينة، ويزيد العدد ليلا للتسوق أو مجرد المشاهدة، بسبب السمعة التي أخذتها السوق بين أوساط المصريين.