الجمعية المتوسطية للمتاحف المغمورة التونسية تنقذ دار البارون ديرلنجي التاريخية

مثل ورشة مثالية لإحياء مجموعة من الحرف التقليدية في مجالات البناء والزخرفة

جانب من مبنى قصر النجمة الزهراء(«الشرق الأوسط»)
TT

اختارت الجمعية المتوسطية للمتاحف المغمورة «دار البارون ديرلنجي» الواقعة بمدينة سيدي بوسعيد بالضاحية الشمالية للعاصمة قبلتها الأولى ومنطلق برامجها التطبيقية في إنقاذ هذا المعلم التونسي المهم ومزيد التعريف بخصاله التاريخية والحضارية. واختارت الجمعية التي يرأسها «مارك لادريت لاشاريار» تونس فاتحة لتنفيذ برنامجها الإقليمي، وقال إنه يهدف إلى تفعيل الحوار بين الحضارات وتمتين التقارب بين الثقافات بما أن الجمعية تهتم بالفضاءات الثقافية العريقة، ودار البارون ديرلنجي من بين تلك العلامات التراثية المضيئة.

وتعد دار البارون ديرلنجي أو ما بات يعرف بقصر «النجمة الزهراء» أول معلم تاريخي تونسي يخضع للتصنيف بعد استقلال تونس سنة 1956، وهو منزل صغير ذو قبة بيضاء بني على أرض اقتناها البارون رودولف ديرلنجي سنة 1909 خلال إحدى زياراته إلى تونس واستغرقت عملية البناء أكثر من 20 سنة وذلك من 1912 إلى 1922 ومثل ورشة مثالية لإحياء مجموعة من الحرف التقليدية في مجالات البناء والزخرفة.

واستعان البارون ديرلنجي الإنجليزي الأصل بأمهر الحرفيين من تونس ومصر والمغرب لإنجاز أشغال النقش على الرخام والجص والخشب بأنواعه. كما استعان بخبراء أوروبيين من فرنسا وإيطاليا لتهيئة الفضاء. وأراده البارون فضاء للاعتكاف فوق هضبة «جبل المنار» المشرفة على خليج مدينة تونس.

ويشمل القصر متحفا للوحات الفنية وهي مجموعة كبيرة من اللوحات رسمها البارون ديرلنجي بنفسه، وتوجد لوحات بإمضاء الرسام الروسي الأصل ألكسندر رويزوف وأخرى بإمضاء دوشينول ولوحة زيتية بإمضاء الأميرة للا جنينة ابنة الناصر باي. وتعكس لوحات البارون ديرلنجي ما انطبع في ذاكرته من رحلات إلى الجزائر ومصر (1904 و1905) واعتبر النقاد الفترة التي قضاها في تونس من 1910 إلى 1932 الفترة الأهم والنضج في تاريخه. وخضعت مجمل لوحات البارون ديرلنجي على امتداد سنتي 2004 و2005 لحملة ترميم ووزعت على جدران الرواق الأزرق والمرسم الموجود في الطابق العلوي.

ولعل أهم ما يميز قصر النجمة الزهراء هو معرض القار للآلات الموسيقية، ويضم 250 آلة موسيقية قديمة تمثل ذاكرة حقيقية للثقافة والألوان الموسيقية المميزة لحوض البحر الأبيض المتوسط سواء منها العربية الإسلامية أو كذلك الحضارات الغربية، والمتحف عبارة عن مزج بين الشرق والغرب. وتتوزع تلك الآلات بالمتحف على أساس التقسيم الكلاسيكي للآلات الموسيقية إلى آلات هوائية وآلات موسيقية نفخية وآلات إيقاعية أو نقريات وكذلك إلى آلات وترية وأخرى ذات مفاتيح. فبالإضافة لأهميتها المتحفية، فإن تلك الآلات تمثل مخزونا نفيسا بالنسبة للبحوث المتعلقة بعلم صناعة الآلات الموسيقية. ويشتمل المتحف كذلك على سلسلة من الصور الفوتوغرافية تبين طريقة مسك الآلة والعزف بالإضافة لصور لمجموعة من الوجوه المعروفة في حقل الموسيقى التونسية والعربية.

كل هذه الميزات الحضارية والثقافية المهمة تجعل هذا المعلم التاريخي يحظى بأهمية خاصة على مستوى ما تسميه الجمعية المتوسطية «المتاحف المغمورة»، وقد خصصت موقعا تفاعليا على الشبكة العنكبوتية للتعريف بدار البارون ديرلنجي ويتضمن الموقع أفلاما وثائقية تعرف بالفضاء وخصوصياته التاريخية. كما برمجت الجمعية المتوسطية إنتاج فيلم عن «دار البارون ديرلنجي» باعتبارها أصبحت تسمى مركز الموسيقى العربية والمتوسطية وستنتجه إحدى القنوات التلفزية بمساهمة الفنانة التونسية سنية مبارك.