موسم الحبوب في تونس.. أسعار مغرية ومشاكل عويصة

2 إلى 5 في المائة فقط من «الصابة» تتوجه إلى الاستهلاك العائلي

شابان تونسيان مع أكياس الحبوب من صابة هذا الموسم («الشرق الأوسط»)
TT

ليس من السهل جمع الصابة (الغلة، أو مؤونة الشتاء من الحبوب) التونسية في أوقات صيفية حارة بل قياسية الحرارة. فالفلاحون يسعون بهمة لجمع ما تفرق على الأرض من حبوب خلال فصل الخريف، وها هو الربيع قد قوى الجذور والسنابل، وعمل الصيف على تجفيفها وإنضاجها، وما تبقى على الفلاحين إلا أن يشمروا عن ساعد الجد حتى تنام الصابة في أمان. ولكن المسألة ليست سهلة كما يبدو.

الواقع أن الصابة أو الغلة خلال هذا الموسم كانت جيدة للغاية، وهي لا تقل في كل الأحوال عن 20 مليون قنطار من الحبوب، حسب تقديرات وزارة الفلاحة (الزراعة) التونسية، وبذلك تتضاعف الصابة تقريبا خلال هذا الموسم، إذ إن صابة الموسم الماضي لم تتجاوز حدود 11 مليون قنطار على أقصى تقدير. إلا أن توزيع هذه الصابة يختلف من فلاح إلى آخر، ولعل أهم ملاحظة تتعلق بالصابة هي أن معظم العائلات التونسية ما عادت تعتمد على القمح والشعير لتغذية العائلة، بل إنها توجه غلة الموسم إلى ديوان الحبوب التونسي، أو تنقلها إلى الأسواق الأسبوعية، وإلى بعض تجار التفصيل (التجزئة) الذين تغريهم عملية الشراء بالجملة خلال الصائفة، والعودة لبيعها بالتفصيل خلال فترات بذر الأرض من جديد.

ولم يكن جمع الصابة، في حقيقة الأمر، وخاصة خلال العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال عام 1956، يعتمد على الحصادات الميكانيكية، بل إن روح الجماعة وما يعرف في عديد المناطق من تونس باسم «المعونة» هي الطريقة التي كانت سائدة. إذ كان الأهالي يتجمعون عند أحد الفلاحين الذين يستعين بهم على جمع الصابة، وفي المقابل يقدم لهم وجبة دسمة وسط أجواء من الفرح تعم الجميع. بيد أن عزوف كثرة من الفئات الشابة عن العمل الفلاحي جعل اللجوء إلى الآلة لتعويض اليد العاملة أكثر من ضروري. ولكن في المقابل، رفع اللجوء إلى الآلة كثيرا من تكلفة الإنتاج، وهو ما انعكس خلال السنوات الماضية على مختلف مكونات إنتاج الحبوب بأصنافها.

يقول عمر بن أحمد (فلاح من الشمال): إن الصابة أصبحت ضعيفة المردود، لكننا لا نقدر على ترك الأرض عارية جرداء على الرغم من ارتفاع التكاليف. الأرض لم تعد تعطي مثلما كانت تعطي في السابق». وحول طريقة جمع الصابة أوضح أن الأمر «أصبح يعتمد بالكامل على الآلة... وذلك بعدما أحيلت «المناجل» (جمع «منجل» وهو الآلة الحديدية المعقوفة والفردية الاستعمال عند جمع الصابة) إلى الراحة الإجبارية.

وشدد بن أحمد على أهمية التعجيل بجمع صابة الحبوب وتوجيهها إلى مراكز الجمع «قبل أن تدهمها المخاطر الطبيعية، والبشرية كذلك». وحول التصرف العائلي في الصابة، قال بن أحمد إنه يقدمها كاملة تقريبا لديوان الحبوب ولا يترك إلا القليل لتغذية بعض الدواجن، متابعا «لا يمكن الاعتماد على الصابة لتخزين البذور، فمحاصيلها بعد موسم واحد تصبح هزيلة».

وحقا، الملاحظ أن ارتفاع أسعار الحبوب والبقول خلال السنوات الماضية وازن بين مصاريف الفلاحين ومداخيلهم وانخفضت شكوى عقود من ضعف الأسعار. فالقنطار الواحد من القمح الصلب لا يقل عن 60 دينارا تونسيا (قرابة 43 دولارا أميركيا) بعدما ظل لسنوات دون حد الـ 30 دينارا، وتنخفض الأسعار قليلا بالنسبة للقمح اللين حيث لا تتجاوز حدود 45 دينارا تونسيا. ولا يزيد سعر القنطار من الشعير على 40 دينارا. وفي حين ترتفع أسعار الحمص إلى 200 دينار تونسي (نحو 143 دولارا) للقنطار يصل سعر القنطار الواحد من الفول إلى حدود 80 دينارا.

وفي هذا الإطار، يقول عبد المجيد المعلاوي، وهو مهندس فلاحي، «إن ارتفاع الأسعار عند القبول فرضته الأسعار العالمية... إلا أن هذا الارتفاع، في حقيقة الأمر، لم ينعكس بصفة كبيرة على وضعية الفلاحين، وذلك نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم مجاراة المنح التي تقدمها الدولة للفلاحين. فالدعم على المحروقات كان في حدود 72 مليما للتر الواحد من المازوت عندما كان سعر اللتر في حدود 280 مليما تونسيا (الدينار التونسي يعادل ألف مليم تونسي)، ولكن هذا الدعم لا يزال في حدود 72 مليما. والحال أن سعر اللتر من المازوت قفز إلى 1010 مليمات».

ويضيف المعلاوي أن «نسبة مهمة من الصابة يجري إتلافها قبل وصولها إلى المخازن، ونسبة الضياع هذه تقدرها مصادر وزارة الفلاحة التونسية بنحو 8 في المائة من الصابة، إلا أنها لدى بعض الفلاحين قد تصل لحدود 12 إلى 15 في المائة بسبب سوء تعديل آلات الحصاد، إلى جانب «لهف» العصافير على استهلاك نسبة مهمة من الصابة».

وعن توزيع الصابة بين مختلف المتدخلين، شرح المعلاوي «أن بين 2 في المائة و5 في المائة فقط تذهب إلى الاستهلاك العائلي. وثمة من يترك نسبة في حدود 20 في المائة إلى 30 في المائة من المحاصيل للبذور إذا كانت نوعية الحبوب جيدة». وأردف «وبينما يوجه بعض الفلاحين بقية الصابة إلى ديوان الحبوب، يتجه صغار الفلاحين الذين قد تكون لديهم ديون مخلدة بذمتهم ولم يقع خلاصها إلى أسواق التفصيل للتخلص من الصابة بعيدا عن أعين الحكومة، التي غالبا مما تقتص من أي فلاح بمجرد دخول صابته إلى مخازن ديوان الحبوب».