حدائق «المنارة».. من مسبح لتدريب جيش الموحدين إلى فضاء لنزهة المراكشيين

استلهمت فيها هندسة حدائق الأندلس

حدائق «المنارة» في مراكش، ويبدو جناحها الملكي والصهريج، الذي كان مكانا لتعليم جنود الموحدين السباحة قبل العبور إلى الأندلس («الشرق الأوسط»)
TT

تُعرف مدينة مراكش، إحدى أشهر حواضر المغرب، بعدد كبير من المعالم الأثرية، مثل «مدرسة ابن يوسف» و«قصر البديع» و«صومعة الكتبية» و«القبة المرابطية»، وغيرها من المباني التي أصبحت شاهدا على الأسر التي توالت على حكم المغرب. وإلى جانب هذه المباني الأثرية يوجد في مراكش عدد كبير من الحدائق «التاريخية»، الشيء الذي يؤكد أن تاريخ «المدينة الحمراء» كتب عبر حدائقها أيضا.

وحقا فإن مراكش، التي تلقب بـ«المدينة الحمراء»، تعطي انطباعا لكثرة الحدائق التي توجد فيها أنها جديرة بلقب آخر.. هو «المدينة الخضراء»، فهي على الرغم من أن الشمس تسكن سطحها وسماءها على مدار السنة، فإن حدائق وعرصات «البيلك» و«المنارة» و«أكدال» و«ماجوريل» و«مولاي عبد السلام» ظلت تثير التعجب والحيرة لدى كل من يؤمن بأن الشمس مرادف للجفاف والأرض الجرداء القاحلة. ولعل ما يميز حدائق مراكش أن لكل حديقة تاريخها الخاص الذي يميزها عن الحدائق الأخرى.

وفضلا عن تاريخها، تتميز حدائق «المنارة» بصهريج الماء وبجناحها الملكي. ويقال إن الصهريج، الذي أقيم عام 1157، في عهد السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي في القرن الثاني عشر، لكي يتدرب فيه جنود الموحّدين على السباحة وفنون القتال البحري، قبل التوجه إلى الأندلس، أو الانتشار لحماية السواحل المغربية من هجمات الأوروبيين.

ومن أشهر المعارك التي خاضها الموحّدون في الأندلس هناك معركة «الأرك» (1195)، تحت قيادة السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور، والتي كان لها دور كبير في توطيد حكم الموحّدين في الأندلس، ولقد شبّه المؤرخون وقعها ونتائجها بمعركة «الزلاقة» التي دحر فيها المرابطون، تحت قيادة أميرهم يوسف بن تاشفين، جند ألفونسو.

وخلال حكم السعديين جرى إصلاح وإعادة استغلال «المنارة» كفضاء للاستراحة. وفي القرن التاسع عشر، في عهد سيدي محمد بن عبد الرحمن، السلطان العلوي الذي لقب بـ«محمد الرابع» وحكم ما بين 1859 و1873، تم توسيع المحيط الجغرافي للموقع، حيث عُززت مصادر مياهه، كما بُني الجناح الملكي.

واليوم تقدم حدائق «المنارة»، حسب المتخصصين، الشكل النموذجي والكلاسيكي للحدائق الملكية المغربية، التي نجد لها مثيلا في حدائق «أكدال» بمراكش وصهريج «السواني» في مكناس وجنان «السبيل» في فاس. ويرجّح المهتمون بعالم الحدائق أن تكون هندسة «المنارة» قد استلهمت من هندسة حدائق الأندلس.

ويقول العربي الفيلالي، الذي يحرس الجناح الملكي بالمنارة، ويقوم بتقديم شروحات تعريفية بالبناية للزوار، منذ أربعين سنة، لـ«الشرق الأوسط»: «يعود تاريخ (المنارة) إلى الموحّدين، على عهد عبد المؤمن بن علي الكومي، الذي أعد الصهريج لتدريب الجيش على السباحة، قبل العبور إلى الأندلس. وحين جاء العلويون قاموا ببناء الجناح الملكي، وذلك في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن. وعمق الصهريج متران ونصف، بينما يبلغ طوله 200 متر وعرضه 160 مترا، أما الماء فيجلب من جبال الأطلس عبر مدخلين، وجرى تصريفه عبر ثلاثة مخارج لسقي أكثر من 1000 شجرة زيتون».

وتقول الكتابات المتخصصة حول الحدائق في مراكش إن الحاجة الكبيرة من المياه اللازمة لسقي حدائق «المنارة» تؤمّن بواسطة تقنية «الخطارات»، التي هي أنظمة تقليدية لجر المياه إلى سطح الأرض، تستعمل بشكل خاص في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتعتمد على قنوات تحت أرضية تستخدم لصرف المياه من الفرشة المائية ونقلها إلى سطح الأرض، حيث تتحول إلى سواقٍ توجّه المياه إلى الحقول والمساكن.

ويتكون مبنى الجناح الملكي، الذي يحيط به سور من التراب المدكوك، من طابقين ويعلوه سقف تقليدي ذو شكل هرمي مغطى بالقرميد الأخضر، في حين يتكون الطابق السفلي من أربعة أعمدة عالية وفضاء مفتوح، يؤدي إلى شرفة تطل على البركة المائية.

ويصعد زائر الجناح الملكي إلى الطابق العلوي عبر درج من 25 خطوة، قبل أن تنفتح شرفته على منظر رائع وشامل يطل على الحديقة والصهريج، بينما تعلو القوس المؤدية إلى الخارج نقيشة بها كتابات مختلفة.

ويبقى القول إن حدائق «المنارة» تحوّلت اليوم إلى فضاء مفتوح يقصده المراكشيون للنزهة، كما يقصدها السياح للتعرف على جانب من تاريخ مراكش.