صناعة السجاد اليدوي في تونس تستغيث

علي العلاني: لا ندري ماذا سنبيع في هذا المكان العام المقبل

TT

تشتهر مدينة القيروان، بوسط تونس، بأنها «عاصمة» صناعة السجاد اليدوي التونسي، الذي يُعرف في البلاد بـ«الزرابي» (مفردها «زربيّة»). ولقد ظل السجاد لحقب طويلة مصدرا مهما للدخل الإضافي للعديد من «الأسر المنتجة» - كما توصف في تونس، حيث يشارك جميع أفراد الأسرة في عملية إنتاج واحدة أو متنوعة، منها صناعة السجاد. بل إن الرجال دخلوا ميدان الصنعة ونافسوا النساء في نسج الزربية وعقدها، لا سيما في ظل إقبال السياح على السجاد التونسي الجذاب.

إلا أن شمس ذلك «العصر الذهبي» للسجاد القيرواني قد أفلت أو هي على وشك الأفول، أما الأسباب فيشرحها أحد وجوه الصناعة، علي العلاني في لقاء أجرته «الشرق الأوسط» معه. ويبدأ العلاني بالقول «بداية، ما عاد مسموحا لحافلات السياح بالوقوف عند موقف السيارات بجانب سور المدينة العتيقة، فقد أجّره رئيس البلدية السابق للعصابات (عصابات الجريمة المنظمة) التي يأخذ رجالها دينارا أو نصف دينار على كل سيارة. ثم إن الطاقة الشرائية للمواطن لم تعد تتحمّل قيمة الزربية، وهذا بالإضافة إلى أن الأسعار لم تعد تغري المنتجين سواء بشكل فردي أو جماعي داخل الأسرة أو في ورش خاصة».

وتابع العلاني شارحا «بضاعتنا تظل تحت لهيب الشمس ولا تجد من يشتريها، وبعض السياح لا يقدرون على المشي طويلا، علاوة على أن السياح لا يدخلون القيروان إلا لكونها، غالبا، منطقة عبور إلى الساحل أو إلى الجنوب في الشتاء».

ثم قال «تونس تعيش اليوم مخاضا، وربنا يعطينا ما هو أفضل. إننا لا ندري ما إذا كانت الأمور ستتحسن، وتكون أوضاعنا أفضل في المستقبل، أو غير ذلك لا قدر الله. لا ندري ماذا سنبيع في هذا المكان خلال العام المقبل.. ربما التوابل!».

وشارك في الحوار طارق المرناوي، وهو «ابن السوق» كما يوصف، فقال «العديد من المحلات أغلقت، وربما سنبيع البنزين المهرّب من الجزائر أو ليبيا في هذا المكان مستقبلا». وانتقد المرناوي الإعلام التونسي الذي - حسب رأيه - «لم يقم بواجبه تجاه الصناعات التقليدية التي تتهاوى أسواقها.. فالإعلام التونسي يمرّر فقط ما يريد تمريره ولا ينقل الصورة كما هي في الواقع». ثم أشار إلى أن «بعض الكتّاب والصحافيين هربوا إلى الخارج ومن بقي في البلاد ظل همّه قوت يومه أو مصدر رزقه.. أي نفسه فقط». وضرب المرناوي مثلا على ذلك «صحافي من جريدة (الصباح) جاء لإعداد تحقيق، فقلنا له وجهة نظرنا بأنه لا يمكن إصلاح وضع صنعة من دون أخذ رأي حرفييها. لكنه لم يكن يرغب في نقل ما قلناه من أن السلع المستوردة من الصين وغيرها تضرّ بالصناعات الوطنية التي هي أجود وأفضل وأنفع للبلاد والعباد».

وشرح المرناوي أن «السجاد الاصطناعي المستورد رخيص السعر فلا يتجاوز سعره الـ80 دينارا، بينما السجاد التونسي اليدوي يمكن أن يعمّر لأكثر من 100 سنة وتحتاج المرأة الواحدة لشهر أو شهر ونصف حتى تنجز نسج أو عقد الزربية». واستطرد «مشكلة أخرى يعاني منها قطاع صناعة السجاد في تونس، هي ارتفاع كلفة اليد العاملة في ظل ارتفاع الأسعار، فالآن لن تقبل امرأة أن تبيع زربية بـ300 دينار تمضي في نسجها أو عقدها أكثر من شهر».

وهنا شن العلاني حملة على أصهار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي فقال «الطرابلسية هم من جلبوا علينا هذه المصائب، لأن السلع المستوردة كانوا هم من يقف وراء دخولها البلاد»، مضيفا «القيروان هي المدينة الوحيدة التي ظلت حتى الآن تنتج الزرابي وتبيعها بينما البقية تخلوا عن الصنعة، ولذا فالحفاظ على هذا المنتوج خدمة وطنية يسديها من يقدر على إنقاذها». ولتأكيد كلامه ذكر أنه «كان هناك 10 محلات لبيع الزرابي، ولكن لم يبق غيرنا، لأننا نحب هذه الصنعة ونضحي من أجلها، ولكن إلى متى يمكننا الصبر على ركود سوق السجاد؟».

ونفى العلاني أن يكون هناك أي تدخل من الدولة لإنقاذ صناعة السجاد، وقال «نحن الخاسرون الوحيدون.. منذ 6 أشهر ونحن بلا عمل.. السياح يؤخذون إلى بعض الأماكن التراثية، لكن الصناعات التقليدية مهددة».

اليوم صناعة السجاد التونسي في «عاصمتها» القيروان تستغيث، مطالبة بإنقاذها حفاظا على التقاليد الراسخة ومكانة السجاد التونسي الجميل، الذي تعلّق بعض قطعه على الجدران كاللوحات الفنية الثمينة. وللعلم، كانت كل فتاة تزف إلى بيت عريسها، تأخذ معها زربية سواء قامت هي بنسجها أو اشترتها من السوق. ولا تزال كثرة من الجهات داخل تونس تحافظ على هذا التقليد الأصيل.