لبناني يهوى جمع معدات السفن القديمة

اقتنى 15 ألف قطعة في منزله خلال 16 عاما

خوذة غطس 12 مسمار («الشرق الاوسط»)
TT

للوهلة الأولى تظن نفسك على متن باخرة لا في منزل، الكلمة الأولى لعبق البحر، حيث لا تجد زاوية في ثنايا المنزل خالية من القطع البحرية الأثرية النادرة، بعدد منها.

هنا معدات تشغيل السفينة، والإنارة، والسرعة والبوصلة البحرية بأنواعها المختلفة، وهناك قطع مرتبطة بفرش السفينة، كالطاولات والكراسي والأبواب الخشبية ذات المقابض النحاسية، والنوافذ الدائرية الخاصة بغرف البحارة، والنوافذ المربعة الخاصة بالقبطان، وأدوات زينة غرف النوم والمطاعم، وصحون السجائر (التي تغلق) الخاصة بالسفن.

باختصار، القطع بمجملها تتعلق بهيكل الباخرة وصولا إلى أصغر قطعة فيها.

إنها هواية توفيق ينية، التي تتمحور دائما حول الباخرة وما تحتويه، تلك الوسيلة التي عرفت البشرية على بعضها قبل الطائرة، وقبل أي وسيلة أخرى منذ أيام الفينيقيين.

وهو يقول لـ«الشرق الأوسط»: «غرامي الأول كان بالسفينة منذ طفولتي، عندما كان والدي يصطحبني معه، في فترة الثمانينات، إلى البواخر الراسية في المرافئ التابعة لـ(شركة نفط العراق) في طرابلس، حيث كان يعمل، كنت أصعد إليها، وأجوب أرجاءها، ألعب دور القبطان، وأسأل عن عمل كل واحدة من معداتها».

أما التحول الأكبر لدى ابن منطقة المينا – طرابلس، فكان باكتشافه عالما اسمه هواة جمع قطع السفن القديمة، أثناء قيامه بزيارة سياحية إلى منطقة النورماندي – فرنسا عام 1995، حيث السفن التي أحيلت إلى التقاعد.

خمسة عشر ألف قطعة بحرية أثرية، تم توزيعها بشكل متناسق في أرجاء منزل المهندس الميكانيكي، لا سيما في غرفة الاستقبال، وفي المطبخ، وعلى مداخل المنزل وعلى الشرفات.

قطع مصنوع معظمها من النحاس والخشب، وتحتاج إلى عناية خاصة، وفي ذلك يوضح ينية: «هناك مادة حافظة أدهنها بها، وقد خصصت مستودعا لقسم من مجموعتي بجانب المنزل، وهي حصيلة عمل شاق ومكلف، ولطالما بحثت عن قطعة تفتقر إليها مجموعتي أثناء أسفاري».

القنديل البحري المحمول الذي يعمل على الكاز، ويستعمل لإرشاد السفن كنوع من الإشارة، قطعة نادرة يتباهى بها ينية، لأنها أول قطعة اشتراها من النورماندي عام 1995، وهي تستعمل أيضا للإضاءة لسفن الإنقاذ، ولإرسال النور إلى أقصى حد.

ويتابع ينية: «بعد النورماندي قصدت جزيرة أرواد على الشواطئ السورية، حيث استطعت الحصول على منفخ إنكليزي احتفظ به صاحبه لمدة 50 عاما، وهو صنع عام 1875، يعمل بواسطة الأرجل لضخ الهواء للغطاسين، ومصنوع من الجلد والحديد والنحاس، وربما يكون أقدم قطعة أملكها».

هواية تحولت إلى هاجس لدى من يسافر كل سنة إلى فرنسا، للمشاركة في معرض البحار (nautique salon) المتخصص في عالم البحار، فضلا عن أسواق ضواحي باريس المتخصصة.

دول حوض المتوسط كاليونان، وفرنسا، وإيطاليا وبريطانيا، وتركيا (لوائي إسكندرون وإسطنبول)، ومصر (مرفأ الإسكندرية) بلدان تشكل أيضا مقصدا لتحقيق هاجس السفر والمغامرة والتجميع لدى ينية، الذي يرغب في زيارة الهند قريبا للغاية نفسها.

والد ينية ووالدته عارضا، وكانا مستغربين، بادئ الأمر، هواية ابنهم المختلفة عن باقي الهوايات، لكنهما تراجعا تدريجيا عن التدخل.

أما عن موقف زوجته، يرد ينية: «ساعدتني بداية في تنسيق المجموعة، لكنها شعرت لاحقا بأنها باتت تشكل عبئا علينا، وأبدت انزعاجها من انتشار هذه المعدات في أرجاء المنزل كله، كذلك فإن صيانتها وتنظيفها عبء آخر، عندها بدأت نقل قسم منها إلى المستودع».

أولاد هاوي جمع قطع السفن القديمة كانوا ينظرون إليها كلعبة يلعبون بها، دون إدراك قيمتها الأثرية، كالمنظار البحري والبوصلة، لكنهم اليوم يقدرون مجموعة والدهم ويحافظون عليها مثله.

وعما إذا كان ينية تلقى بعض هذه المعدات كهدايا، يشير إلى اثنين أو ثلاثة منها، والباقي قام بشرائه من حسابه الشخصي، مؤكدا أن هدفه ليس تجاريا، على الرغم من أصوات عدة طالبته بذلك.

هوايات البحارة أثناء السفر لها مكانها الخاص أيضا، في منزل مستشار وزير الإعلام السابق، طارق متري، حيث تجد أسنان الحيتان العاجية المتميزة برسوم متنوعة، فضلا عن الأشغال اليدوية التي ترمز إلى خواطر أصحابها وتراث بلادهم.

الاتصال المباشر لم يكن الوسيلة الوحيدة لحصول ينية على هذه القطع خلال مسيرته البحرية، بل شكل الإنترنت بابا آخر لشرائها وتجميعها في بلدان كفرنسا، لتسلك طريقها إلى لبنان، على أيدي من يقصد بلده الأم من الأصدقاء والأقارب.

واليوم ما يزال ينية يبحث عن مكان آخر يليق بمجموعته، كي يعرضها مجانا ويكون بديلا عن منزله، مما يشكل فرصة لتعريف الناس على التراث البحري لعشرات البلدان القريبة والبعيدة، خاصة أن لبنان يشهد ولادة متاحف جديدة كمتحفي بيروت وصيدا.

ويذكر أن لينية طريقته في زرع المتعة في قلوب زائريه، ونقلهم إلى عالم فيه الكثير من التشويق والإثارة، متمنيا أن تكون مجموعته جزءا من متحف بحري.

ويختم: «أنا في طور إجراء أرشفة هذا النتاج البالغ عمره 16 عاما، وإحصائه بدقة، كي يسهل عرضه داخل لبنان وخارجه، لعلني أدخل مرحلة جديدة». إشارة إلى أن الثقافة البحرية غائبة عن لبنان، على الرغم من وجود شاطئ يمتد على طول 210 كلم، فالدولة غائبة على هذا الصعيد، والناس لا تهتم بالتراث العائم أو المغمور، ربما باستثناء منطقة حائل في جبيل التي كانت مغمورة بالمياه، ويتم اليوم استثمار الأسماك المتحجرة(فوسيل) فيها.