جليسات الأطفال ظاهرة جديدة تنتشر في لبنان

80% منهن ينتمين إلى الجسم الجامعي

نمط الحياة العصري الذي يسود معظم بيوت العائلات اللبنانية حاليا أوجد ظاهرة الاستعانة بجليسات الأطفال
TT

تنتشر، مؤخرا، ظاهرة جديدة من نوعها في المجتمع اللبناني تتمثل في لجوء بعض العائلات اللبنانية المغتربة أو المقيمة إلى شركات ومؤسسات تعمل على خدمة تأمين جليسات أطفال (baby sitters) لترعى الأطفال في حال اضطرت الأمهات للغياب عن المنزل لسبب أو لآخر.

فنمط الحياة العصري الذي يسود معظم بيوت العائلات اللبنانية، حاليا، وعدم توفر الأهل بصورة دائمة لمساعدة أبنائهم في تربية أحفادهم، أسهم في تفشي هذه الظاهرة التي كانت في الماضي القريب تشمل واجبات العاملات الآسيويات في البيوت، أو تقتصر على الاستعانة بصديقة أو قريبة و«بالأملية»، كما يقولون في لبنان، للقيام بها. فيما كان ينظر إليها آخرون أنها مجرد خدمة يسمع بها ويقرأ عنها الأب والأم في وسائل الإعلام، لأنها بعيدة المنال في ظل المخاطر التي تحيط بها وعدم الوثوق بأركانها بصورة عامة. إلا أن تنظيم هذه الخدمة وامتهانها رسميا من قبل مؤسسات أخذت على عاتقها هذه المسؤولية، وضع حدا للمخاوف التي تعتري الأهل تجاه هذه الوسيلة التي من شأنها أن تسهل عليهم أسلوب حياتهم المليء بالضغوطات اليومية. وتطول لائحة هذا النوع من المؤسسات في لبنان لتشمل عناوين موجودة في كل المناطق اللبنانية التي التزمت مع عدد من الفنادق المعروفة في لبنان، إضافة إلى مؤسسات خدماتية أخرى، وبالاتفاق معها على تأمين جليسة الأطفال عند حاجة الأهل إليها.

وتقول يوانا أبي نجار صاحبة شركة «بلاست إينك» لتأمين جليسات الأطفال، إن الفكرة حتى اليوم تستقطب العائلات اللبنانية المنفتحة والمثقفة، التي تفضل أن يهتم بأطفالها في غيابها أشخاص أكاديميون لديهم فكرة واضحة عن الواجبات والنشاطات التي عليهم أن يولوها للأطفال عندما لا يتوفر حضور أهلهم في المنزل، وتضيف: «أنا شخصيا عملت في هذا المجال عندما كنت طالبة جامعية، ومع الوقت لمست أننا بحاجة ملحة إلى استحداث شركة تتولى تأمين هذه الخدمة التي يحتاجها، عادة، الأهل العاملون أو العائلات المغتربة التي تزور لبنان لتمضية العطلة وتحتار في كيفية رعاية أولادها أثناء غيابها إذا ما دعيت إلى حفل زفاف أو دعوة إلى العشاء».

وتؤكد يوانا أن هذا النوع من الأهالي يفضل الاستعانة بطالبة جامعية أو بحاضنة أطفال متخصصة لتجالس أطفالها وتحدثهم بلغتهم الطفولية، سواء من خلال الألعاب التي تشاركهم فيها أو القصص التي ترويها على مسامعهم، أو حتى لمجرد مراقبتهم وهم نيام، فيشعرون أنهم بأياد أمينة، لا سيما أن غالبيتهم تخضع لدورات تأهيلية تنظمها الشركة المستخدمة لهم، وتشمل كيفية التعاطي مع الطفل في أعمار مختلفة، وبالتالي معرفة تقديم الإسعافات الأولية لهم في حال حدوث حالة مرضية أو تعرضهم لحادثة ما. كما أن لديها برامج ترفيهية ومسلية تقوم بها جليسة الأطفال في حال طلب منها ذلك من قبل الأهل في ساعات النهار، لإضفاء جو من البهجة والسعادة على الولد، ولإعطائه مساحة من الحرية في التعبير عن أحاسيسه ورغباته.

وتختلف أعمار الفتيات العاملات في هذا المجال لتتراوح ما بين الـ18 و30 عاما، وغالبيتهن طالبات جامعيات (يشكلن 80 في المائة من الجسم العامل فيها) يدرسن الهندسة أو المحاماة أو علم النفس أو الاقتصاد وما إلى هنالك من اختصاصات جامعية؛ لأن ذلك لا يشكل عائقا لمزاولة عملهن الذي يتطلب التحلي بالمسؤولية في المرتبة الأولى، وبفكرة وافية عن كيفية التعاطي مع الأطفال في المرتبة الثانية. كما أن هناك أمهات يمارسن هذا العمل وتكون تكلفة استخدامهن أعلى من غيرهن، لأنهن يمتلكن الخبرة في كيفية التعاطي مع الأطفال، ولا سيما الذين تتطلب رعايتهم اهتماما كبيرا، كحديثي الولادة أو الذين لا يتجاوز عمرهم السنتين. أما التسعيرة المتبعة في هذه الشركات فتتبع عدد الساعات التي تزاولها الطالبة في مجالسة الأطفال حسب طلب الأهل التي لا تقل عن ثلاث ساعات، وتكون أحيانا ثابتة أو دورية أو شهرية أو حسب الطلب، وتتراوح ما بين الـ12 والـ20 دولارا للساعة الواحدة، وأحيانا تصل إلى الـ50 دولارا إذا ما كانت جليسة الأطفال لديها الخبرة اللازمة في هذا المجال ويكون الطفل ذا احتياجات خاصة.

وتستقطب هذه المهنة عددا لا يستهان به من الفتيات اللبنانيات اللواتي وجدن فيها مورد رزق يسهم في تسديد تكلفة دراستهن الجامعية أو لتوفير مصروفهن الشهري.

وتقول ندى حنينة، وهي أم في السابعة والعشرين من عمرها، إنها وزوجها وجدا في هذه الخدمة حلا جذريا لمشكلتهما خلال إقامتهما المؤقتة في لبنان، وعند اضطرارهما إلى الخروج لتلبية عشاء، مثلا، لأنهما اعتادا على ذلك أثناء إقامتهما في باريس منذ ثلاث سنوات.

أما ماري عبد النور، التي تعمل موظفة في أحد المصارف، وهي أم لطفل في السنة الثانية من عمره، فتعترف أنها في البداية خافت من القيام بهذه التجربة، ولكنها ما لبثت أن اعتادت على الوضع بعدما وقفت شخصيا في المرات الأولى لاستخدامها جليسة أطفال على كيفية تعاطيها مع طفلها، وصارت تطلبها اليوم بالاسم لأنها تثق بها ثقة عمياء. وتقول: «أعتقد أن كثيرات مثلي يسكن بعيدا عن أهاليهن فيضطررن إلى اللجوء إلى هذه الشركات عند الحاجة للخروج من المنزل نهارا أو ليلا».

وتؤكد نانسي لطيف، وهي طالبة هندسة ديكور، أن حبها الكبير للأطفال دفعها لمزاولة هذا العمل منذ سنتين، فيما تصف جوزيان المقدم عملها في هذا المجال بالممتع؛ كونه يصب في تحفيز دراستها الجامعية في علم التربية والنفس، ويجعلها تقف على شخصية عدد لا يستهان به من الأطفال والتعرف إلى لغته ورغباته عن كثب.

وتسهل بعض هذه الشركات لزبائنها تأمين أدوات تستعمل في خدمة الطفل «كالعربة» وال«بارك» والسرير الصغير، فيتم تأجيرها لهم لمدة محددة في حال، مثلا، جاءوا من خارج لبنان أو انتقلوا إلى الجبل ليومين أو أكثر مقابل أسعار مقبولة (20 دولار) تتحدد حسب الأيام التي ستستعمل فيها.

أما ندى خير صاحبة شركة «تيو وزويه» لتأمين جليسات الأطفال، وهي جدة لحفيدين، فتقول إن فكرة إنشائها هذه الخدمة نبعت عن احتياجات ابنتها لمن يجالس أطفالها في كل مرة زارت فيها لبنان (تقيم في لندن) إذ كانت تقدم لها شخصيا هذه المساعدة. وتقول: «إننا كشركة نهتم بأدق التفاصيل المحيطة بالفتيات اللواتي يتعاون معنا، وتشمل الشكل والتربية والتصرفات والممنوعات، كما أننا نتابعها في بداياتها عن قرب، بحيث نأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي يزودنا بها الأهل عن كيفية تعاطيها مع طفلهم». وتشير إلى أن خدمات شركتها تطال بعض الفنادق ومراكز السباحة والاستجمام التي تدرجها في العروض المقدمة لزبائنها ونزلائها، وأن بعض العائلات تغتنم هذه الفرصة لتعليم أطفالها لغة جديدة يتقنوها مع الوقت، كالعربية والفرنسية والإنجليزية، وأن اتفاقات رسمية موقعة من قبل الأفرقاء الثلاثة (الشركة والأهل وجليسة الأطفال) تكون أساسية في تطبيق العمل ليتحمل كل منهم المسؤولية المتوجبة عليه.