الحكواتي.. يعيش ليروي القصص دون أن يجد من يحاكيه

مهنة انتقلت من بلاد الشام للعالم العربي أجمع

الحكواتي إرث تناقلته الأجيال جيلا بعد جيل ويشتهر في بلاد الشام وانتقل منها إلى دول مجاورة (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

«أنا الحكواتي، أقص وأحكي طول حياتي، أنا بس جاي ألم حواسي وألم الطاسة المكفية، وأقيل شوية لحد العصرية، غمض عينه الشيبه، ونام، غطته بموية ورد وكادي معطر، ولمن أذن على طول قام، وحسب نفسه تأخر، قالت له إشبك يا صديق، ما تبغا تخش بيت الماء، ولدك ماسك لك إبريق والكحل مع بنتك سلمى، قلها سامحيني يا أم شفيق، ولو أني نغزتك بكم كلمة، بس أني حاسس بالضيق، وكفاية سامحني يا حرمة».. بهذه الحكاية القديمة لأهل مكة، بدأ أحمد الصياد الحكواتي ليلته، بعد أن بخر قاعة الحضور ببخور المستكة، الذي تلاه تلاوة لأسماء الله الحسنى، ليخبر بعد انتهائه من برنامجه لـ«الشرق الأوسط»، في رواق الفندق الذي اعتاد أن يروي حكاياته فيه منذ عشر سنوات مضت، أن حماسة الناس لحكايات الحكواتي اختلفت جدا، مما دفعه لابتكار أساليب جديدة ليجذب الناس.

«الحكواتي» مهنة كباقي المهن، التي طال التطور والتكنولوجيا منها، يقول الصياد وهو يروي قصته مع هذه المهنة التي يرى نفسه يصارع لبقائها: «بعد أن كان الحكواتي وكتابه الذي يحمله للقهوة أو المكان الذي يجتمع فيه الناس، لا يحتاج إلى أي شيء سوى أن يحين وقت صلاة المغرب، ليجد جميع الناس قد حضرت قبله يتساءلون عما سيخبرهم به الحكواتي في قصته اليوم، أصبح الحكواتي الآن هو من يقوم بعمل توليفة معينة، تبدأ من الإعداد المسبق لقصته، ومقارنتها بمدى ملامستها لحياة الناس، من خلال متابعة التلفاز والراديو ليهيئ الناس لسماع حكايته».

وتابع الصياد حديثه بحماسة: «الأساليب التي يبتكرها الحكواتي لا تمس مضمون الحكاية، فهي بطبيعة الحال تتحدث عن القيم والأخلاق وعادات البلد بقدر ما تكون في طريقة إلقاء الحكواتي للقصة، والمكان الذي يلقي فيه مثل المسرح، والأدوات المساعدة له مثل الموسيقي، البخور، المترجم، والهدايا المقدمة للجهور».

وفيما إذا كان عمل الحكواتي تغير أم لا، يرى الصياد أن «عمل الحكواتي قديما كان متواصلا على مدار العام دون انقطاع، في وقت محدد، وغالبا كان بعد صلاة المغرب، أي بعدما ينتهي الناس من أعمالهم، إلا أن خصوصية عمل الحكواتي في شهر رمضان تحديدا تعود لصبغة هذا الشهر الدينية وبساطته، إلى جانب أن رغبة الأسر استرجاع طقوس الأسرة القديمة، لا سيما أن سبعين في المائة من الحكايات التي يحكيها الحكواتية، تتناسب مع قيم الشهر الفضيل التي تتوافق مع القيم والتقاليد والتي بات يفتقدها الناس».

وتعد قصة حسن وبليلة، وآيس كريم بالكوسا، وبقرتنا صابحة، والمهابيل في نعيم، وأبو الليف الأمير المعشوق، والملك يحيى، والبادي أظلم، وأديني ريالي، وفسحة السطوح، وخالة مريم معلمة الكتاتيب، وأرمي الدبة وشيليني، وغيرها من القصص هي أشهر عناوين الحكايات التي يحكيها الحكواتية الحجازيون.

وحول سؤال لأحمد الصياد عن أبرز المهارات التي لا بد أن يمتلكها الحكواتي قال يجب أن تكون «قدرته في التنقل بين فصول الحكاية، وتجسيد الشخصيات فيها، وتأثيره على الجمهور، وسرعة بديهته، التي تمكنه من إخراج الجمهور من المزاج الذي هم فيه، وقدرته على السيطرة على الوضع منذ الدقائق الأولى للجلسة، إلى جانب معرفته بميول ورغبة الناس مسبقا، وهي أبرز تلك المهارات، فلي عشر سنين وأنا أعمل كحكواتي في الفنادق والمراكز التجارية، وأحيانا في المناسبات الاجتماعية، ولا أستطيع أن أقول إني أفضل حكواتي موجود، لا سيما أنني أحتاج إلى إعداد طوال شهر شعبان، من أجل حكايات شهر رمضان وبرامجه، التي عادة ما تتكون من خمس فقرات في الليلية، بدءا من القصص، والأمثال الشعبية، والطرائف والنوادر، وانتهاء بالأحاجي والفوازير، بعكس الحكواتية قديما، الذين كانوا يرتجلون القصص».

وانتقد أحمد الصياد الحكواتية الموجودين في الوقت الحالي، بقوله: «لم يبق منهم سوى لبسهم، والعمة الحلبية التي يرتدونها، مؤكدا أن الأمر أصبح تجاريا، في ظل المنافسة التي باتت تشكل مفترقا حقيقا بين الحكواتية الحقّة والمرتزقة».

وبحسب المراجع التي تناولت شخصية الحكواتي، فقد أكدت جميعها أن الحكواتي شخصية واحدة جسدها كثيرون على مر عقود، وأن بلاد الشام، وتحديدا مدينة دمشق، كانت من أوائل البلاد التي عرفتها منذ مطلع القرن التاسع عشر، وجعلتها جزءا من تراثها الشعبي، ليرتبط اسم الحكواتي بأعرق المقاهي الدمشقية حتى وقتنا الحالي.

ولا تزال شخصية الحكواتي أو الراوي، كما يفضل أن يطلق عليه البعض في بلاد الشام، شخصية شعبية يتذكرها الكبار ويتذكرون معها زمنا جميلا أكثر يسرا وراحة بال من زمننا هذا، الذي أصبحت فيه شاشة التلفزيون في المنازل والمحال والمقاهي، بمثابة حكواتي آلي على مدار اليوم، ويقول الصياد: «هذي الأيام المنسية لسه لقصتها بقية وسلامتكم».