«البرحي» من العراق و«المجدول» من أميركا.. أصناف تمور وجدت السعودية مستقرا لها

المسميات لم تتغير منذ عقود.. وأشهرها وأفخرها «السكري»

تمور بريدة.. تكتسب اليوم شهرة عالمية («الشرق الأوسط»)
TT

منذ توقف مزارعي بريدة، بمنطقة القصيم في شمال وسط المملكة العربية السعودية، عن الزراعة الحقلية وتوجههم لزراعة النخيل منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، أقبل كثيرون منهم على زرع أصناف كثيرة عالية الجودة من النخيل تتجاوز 32 نوعا وصنفا، كان أبرزها صنف «السكري» الذي عرفت به المنطقة قديما، وهو الذي كان هذا العام شعار «مهرجان بريدة للتمور» لتميز المدينة ومحيطها بإنتاج هذا الصنف بالذات وانتشاره الواسع.

ولكن مع هذا، يحرص بعض المزارعين على إدخال أصناف جديدة من التمور إلى مزارعهم، منها صنف «البرحي» الذي تؤكد الروايات القديمة، أنه جيء به من الخارج، وكانت الدول المجاورة للمملكة تشتهر بزراعته وجني محصوله سنويا.

والجدير بالذكر أن العقيلات، وهم أبناء لعوائل تعود أصولها إلى القصيم في السعودية، نشطوا في مجالات التجارة من السعودية إلى دول الشام والعراق ومصر، والبعض منهم استقر هناك، بينما عاد البعض الآخر إلى الأراضي السعودية ناقلين معهم ثقافات وعادات وخبرات من تلك الدول إلى بلدهم الأصلي.

وفي مرحلة زمنية عاد العقيلات من العراق ببذور نخيل «البرحي»، وبالتالي غدا «البرحي» من أهم أصناف التمور في السعودية، بل وعلى مستوى العالم العربي، وباتت بريدة من أهم مراكز إنتاجه. وشيئا فشيئا، احتلت نخلة «البرحي» مكانة خاصة أثيرة في نفوس المزارعين لما تمثله من قيمة تاريخيه لهم، وبالأخص أحفاد «العقيلات» الذين أخذوا أيضا يزرعون صنفا آخر هو «المجدول» المستورد من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية. وللعلم، تعد نخلة «المجدول» من أشهر وأفخر الأنواع التي تزرع خارج الجزيرة العربية، وفي بريدة حققت هذه النخلة، مثلها مثل «البرحي»، انتشارا واسعا في بريدة ومحيطها، وأقبل على زراعة فسائلها مزارعون كثر في مختلف أنحاء السعودية بعد نجاح زراعتها في بريدة.

من ناحية ثانية، تعتبر بريدة ومحيطها من أبرز المناطق المنتجة للتمور في العالم كما وأهمها نوعا. ويحظى النخيل فيها بعناية واهتمام فائقين من المزارعين، مع الإشارة إلى أن رقعة زراعة النخيل فيها اتسعت حتى غدت تحوي أكثر من 6 ملايين نخلة، مما أهل بريدة لتبوء هذه المكانة عالميا، وبمختلف أنواع النخيل المميزة.

واليوم من أهم التمور المنتجة في القصيم، وفي بريدة ومحيطها بالذات، الأنواع والأصناف التالي: «السكرية» (أي «السكري») و«الصفراء» و«السكرية الحمراء» و«الشقراء» و«المكتومية» و«نبتة ابن راشد» و«المنيعية» و«الكويرية» و«الحلوة» و«أم حمام» و«الروثانة» و«البرحية» (البرحي) و«الونانة» و«القطارة» و«السباكة» و«أم الخشب» و«أم كبار» و«المسكانية» و«الرشودية» و«نبتة علي» و«الخضرية» (الخضري) و«الصقعية» (الصقعي) وغيرها. وكما سبقت الإشارة يعد «السكري» الأكثر طلبا والأغلى ثمنا.

على صعيد آخر، يقول الدكتور خالد النقيدان، المدير التنفيذي لـ«مهرجان بريدة للتمور» إن «تمر (السكري) هو المسيطر على الحركة السوقية لاحتلاله صدارة المبيعات اليومية في السوق، بل هو يمثل منفردا نسبة عالية من المبيعات، في حين تحظى الأنواع والأصناف الأخرى، وعلى رأسها (البرحي) و(الروثانة) و(نبتة علي) و(الونانة) و(السباكة) و(الرشودية) و(الشقراء)، النسبة المتبقية من حجم الكميات التي ترد إلى السوق».

والملاحظ هنا أن أسماء أنواع النخيل لم تتغير منذ زمن بعيد في بريدة تحديدا، وفي السعودية عموما. وفي الغالب يجري تعريفها وربطها باسم منتجها، أو بالمكان والزمان التي زرعت فيه، وبمرور الزمن جرى توارث هذه الأسماء وتناقلها جيلا بعد جيل من دون المساس بمسمياتها، التي تعد من «الثوابت» عند المزارعين المحليين، وينطبق ذلك حتى على المستهلكين قديما وحديثا، وهذا، على الرغم من إقدام منتجين للتمور في دول أخرى، في مقدمها مصر، على تغيير مسميات التمور تبعا للمتغيرات السياسية والاجتماعية. ولقد تزامن دخول شهر رمضان مع إطلاق أسماء جديدة في مصر تحاكي ما عاشته البلاد هذا العام من تغيرات سياسية، إذ أطلق على أحد أنواع التمور، على سبيل المثال، «القوات المسلحة» وعلى نوع آخر «ثورة يناير».

وفي لقاء مع سليمان عبد الرحمن الفايز، أمين لجنة التمور في «مهرجان بريدة للتمور»، أشار إلى رواج «السكري» وسيطرته على المرتبة الأولى من حيث سعة زراعته ووفرة إنتاجه وقوة الطلب عليه. وأردف أن مدينة بريدة ومحيطها المباشر «يحتضنان راهنا أكثر من 6 ملايين نخلة تتنوع أصنافها ما بين 32 نوعا منها المحلي والمستورد، وتبلغ كمية إنتاجها من التمور حدود 250 ألف طن، يسوق جلها في بريدة، ومن ثم يوزع داخل السعودية وخارجها.

وتابع الفايز، أن نخلة «المجدول» المستوردة حديثا من أميركا، والتي يتميز إنتاجها عن الأصناف الأخرى من حيث الحجم والطول والجودة العالية، تتمتع حاليا بارتفاع عالٍ في الطلب في أسواق التمور ببريدة ومناطق عدة في السعودية.

وحول المسمّيات رأى الفايز، أن «النخيل لا يمكن تغيير مسمياته لأنها معروفة منذ القدم، ولكن برزت مؤخرا مسميات لجديدة كـ«الملكي» و«النقوة»، وهو ما يعتبر محاكاة يقوم بها المنتجون لبعض منتجات الشوكولاته بغرض التسويق، مثل إطلاق مسمى مثل «الغلاكسي» وهو منتج معروف عالميا من الشوكولاته، على صنف من التمور لتقارب لونه من لون الشوكولاته، ويتجاوز سعر هذا الصنف الـ150 ريالا للخمسة كيلوغرامات.

أما لمن يهمه جدا الجانب الصحي، يعمل عدد من المزارعين في بريدة حاليا على تسويق تمور جديدة يهدف المنتجون أن تكون خالية من السكريات، وتخصص لمرضى السكري تحديدا، وكذلك من يلتزمون بحمية غذائية، ولقد لقيت هذه المنتجات طلبا واسعا من قبل المستهلكين، تدعمها تحاليل مخبرية أشرف عليها متخصصون، ونشر عنها في مواقع عدة في بريدة. وكانت هذه المنتجات محل بحث واسع خلال السنوات الماضية حتى جرى إثبات عدم احتوائها على ما يرفع نسبة السكر في جسم الإنسان. وبحسب عاملين في مدينة التمور ببريدة فإن طلبات كثيرة تفد لهم طلبا لهذا المنتج. في حين عمد مزارعون كثر لإخضاع مزارعهم لأوصاف ومقاييس هيئات وجمعيات زراعية محلية ودولية، بهدف رفع جودة الإنتاج.

بقي أن نذكر أنه على صعيد الأسعار، يتراوح متوسط سعر التمور من نوع السكري ما بين 70 و160 ريال، بينما قد يصل سعر الفاخر والنقي منه إلى 465 ريالا للكرتونة الواحدة زنة 3 كلغ، أما أنواع التمور الأخرى فتتراوح أسعارها ما بين 20 و70 ريالا للكرتونة زنة ثلاثة كلغ.