حرفة حد الشفرات في تونس تستخدم التكنولوجيا في عصر انحطاطها

عدد الحرفيين يتقلص عما كان عليه الحال في السابق بسبب تدهور صناعة الزربية

علي وشقيقه خالد الكيلاني أثناء عملهما في ورشتهما المتواضعة («الشرق الأوسط»)
TT

كان علي وشقيقه خالد الكيلاني منهمكين في حد شفرات السكاكين والمقصات عندما دخلت «الشرق الأوسط» إلى محلهما المتواضع الذي ورثاه عن والدهما، بيد أن ذلك المنظر الذي كان معلقا بالأذهان عن آلة حد الشفرات تغير تماما، فلم نلاحظ عملية التدوير بالأرجل لتلك الآلة، كما لم نلحظ تجمعات للصغار من باب الفضول والكبار وهم يحملون سكاكينهم ومقصاتهم في انتظار دورهم لحد شفرات سكاكينهم ومقصاتهم، وهو ما تعودنا على رؤيته كثيرا أيام الصبا. كان الموقف في حاجة لتوقف والحديث مع أحد أرباب الحرفة الذي لم يكن أحد بمقدوره في الأيام الخوالي تبادل الحديث معه سوى حول السعر أو موعد تسلم البضاعة.

وقال علي الكيلاني (40 سنة) متزوج ولديه 4 أطفال لـ«الشرق الأوسط» «هذه صنعة الجدود توارثناها أبا عن جد أو كابرا عن كابر كما يقولون، فقد تعلمت الصنعة من والدي الذي تعلمها من والده والتي ورثها جد والدي عن أبيه وهكذا».

ولهذه الأسباب، كما يقول، ظل المكان في السوق معروفا. وبالطبع دخلت التكنولوجيا على الصنعة فلم تعد الدائرة (العجلة) تدور باستخدام الأرجل وإنما بمحرك كهربائي «بيد أن المواد المستخدمة ظلت كما هي وهي حجر الصوان الذي نجلبه من زغوان (على مشارف تونس العاصمة) وهذه الطريقة في حد السكاكين والمقصات والسواطير والسيوف وغيرها لم تحافظ على تقاليدها سوى في القيروان».

وعن نوع الأحجار أكد علي أنها تقطع من جبال زغوان ولا تضاف إليها أي مواد كيميائية كانت أو غيرها. ولا يستخدم المبرد وإنما حجر الصوان فقط، والذي يملك خاصية حد السكاكين وقد أصبح أكثر فعالية مع دخول التكنولوجيا عليه.

وبذلك استراح أصحاب هذه المهنة من تعب تحريك أرجلهم طوال النهار، والذي سبب للكثير منهم مضاعفات صحية، حيث إن كل شيء يزيد عن الحد ينقلب للضد، حتى في ممارسة الرياضة، ويقول علي الكيلاني «والدي تأثرت صحته كثيرا بسبب استخدام العجلة التي تدور باستخدام الأرجل، فوالدي رحمه الله توفي متأثرا بمضاعفات تدوير هذه العجلة، فقد كان مريضا بالأعصاب وزاد ذلك من تدهور حالته الصحية» في السوق كان عم علي وخالد الكيلاني سي محمد على مقربة منهما، وذكر بأن هناك تعاونا بين الطرفين في زمن الذروة أو عندما يحتاج أحدهما للآخر عند انتهاء أدوات الحرفة أو نقصها لديه فيأخذ من الآخر إلى حين حصوله على الكمية التي يحتاجها.

وتختلف ساعات العمل في رمضان عن غيرها في سائر الأيام. ففي رمضان يعمل خالد وشقيقه علي حتى الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر فقط، بينما يعملان إلى السادسة وأحيانا السابعة مساء في بقية شهور العام. يقول «في رمضان نعمل حتى الساعة الثانية، ولكننا نظل في العمل حتى السادسة أو السابعة مساء في سائر شهور العام». ويؤكد علي الكيلاني أن عدد الحرفيين تقلص عما كان عليه الحال في السابق بسبب تدهور صناعة الزربية (السجاد اليدوي التونسي) والذي يعتمد اعتمادا رئيسيا على المقصات، وبالتالي لم يعد المردود مجزيا للكثير من الحرفيين فتركوا العمل. ليس ذلك فحسب بل تقلص عدد العاملين في استخراج حجر الصوان من جبل زغوان والذي يستخدم لحد المقصات والسكاكين، «في السابق كان هناك عمال كثيرون يستخرجون حجر الصوان من الجبال، واليوم لم يبق سوى شخص واحد فقط نتعامل معه، فيجلب لنا الأحجار ونقوم نحن بوضعها على العجلة وجعلها رطبة كما ترى».

وكشف علي عن وجود أنواع أخرى من الأحجار، بعضها أفضل من بعض، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الأحجار المستخدمة في ورشته هي الأفضل. «هناك أنواع أخرى من الأحجار يستخدمها البعض حاليا ولكن تتعب كثيرا ولا تعطي النتائج التي نحققها من استخدام أحجار الصوان، ومن بين الأحجار المستخدمة أحجار صناعية موجودة في تونس وصفاقس وعدد من المدن التونسية الأخرى يستخدمها حرفيو تلك المناطق».

أما طريقة شراء الأحجار فتتم كما قال العم محمد بالمتر المربع.

وعن أسباب تراجع مردود مهنة حد السكاكين والمقصات أوضح أن «كثيرا من الصناعات التقليدية مرتبطة بعضها ببعض، فنحن كنا نحصل على مردود جيد من حد المقصات المستخدمة في صناعة الزربية (السجاد اليدوي التونسي) والتي تراجعت مبيعاتها، بسبب نقص السياح، فعلى الرغم من أن القيروان مجرد نقطة عبور فقط فإنه كانت هناك مبيعات للزربية ومن ثم تنشيط حركة حد المقصات» وكغيره من الحرفيين يشتكي خالد الكيلاني من الصناعات الصينية الرديئة والرخيصة كغيرها من السلع الصينية التي تملأ الأسواق التونسية و«تروجها مافيات كانت مرتبطة بالنظام المخلوع ومقرها سوسة». ويضيف «لم يكتف بجعل القيروان منطقة عبور وليس مدينة سياحية بأتم معنى الكلمة فحسب، بل تم حرمان حافلات السياح من الوقوف في مناطق حولوها إلى مواقف للإيجار».

لا ترتبط مهنة حد المقصات والسكاكين بصناعة الزربية وعيد الأضحى الذي تحد فيه كل أسرة سكاكينها وتريح بها ذبائحها فحسب وإنما على حرفة الحلاقة والجزارة. «نعمل حاليا مع الحلاقين والجزارين ومع المطابخ الفندقية والمطاعم، والمطاعم المنزلية، لا سيما في الأعياد»، ورغم تقلص عائدات حرفيي حد السكاكين، فإن علي راض عن المردود لكونه يتمتع بحرفاء كثيرين حصل عليهم بالوراثة وبالسمعة الجيدة لمحله. «الحمد لله راضون عن المردود، وهناك دخلاء على هذه الحرفة يستخدمون وسائل شتى كأن يذهب للحدادين ليتعلم كيفية حد السكاكين ومن ثم يفتح له دكانا ولكنهم غير ناجحين في عملهم». ولم تتدخل السلطات المحلية لحماية الصنعة من الدخلاء، ولكن الزبون لا يلدغ من جحر مرتين».

ليست هناك حماية للحرفة فهي مثل أي عمل آخر بالنسبة لها، ولكن كما يقال، يأتي إليهم الغافل ويمشي الجافل، أي الذي جفل من الترويع الذي تعرض له من قبل من لا يحسن الصنعة. ويفكر في الانتقال إلى العاصمة أو سوسة أو نابل حيث العمل أكثر لا سيما أنه مغرم بحرفته و«الغرام بالحرفة» كما يقول.