جامع تربانة المعلق.. مزار سياحي يعيد الإسكندرية للعصر العثماني

طرازه فريد ويحتضن صهريجا أثريا عمره 326 سنة

جامع تربانة.. معلم معماري بارز في قلب الإسكندرية («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة قرون على تشييد مسجد تربانة المعلق، يقف هذا المسجد الأثري بطرازه المعماري الفريد في شارع فرنسا بمدينة الإسكندرية المصرية، في قلب حيها التركي، محاولا أن يستعيد روح وملامح العصر العثماني في ثاني كبرى مدن مصر.

يعد «تربانة» من أقدم مساجد الإسكندرية. ولقد كشفت أحدث التنقيبات الأثرية عن صهريج أسفل المسجد عمره 326 سنة، تقدر مساحته بنحو 100 متر مربع، كان مخصصا لخدمة المصلين. وهو مكون من 8 أروقة عرضية و6 أروقة طولية، ويضم أعمدة ذات تيجان مزخرفة، ويجري حاليا ترميمه لتحويله إلى مزار سياحي في منطقة المنشية، التي تعتبر من أهم أحياء الإسكندرية التجارية.

شيد المسجد أحد التجار المغاربة، واسمه إبراهيم تربانة عام 1097 هـ - 1685م، وكان من أثرياء المدينة التي تحولت إلى أهم ميناء تجاري في شمال أفريقيا بعد الفتح العربي وانتشار الإسلام في شمال القارة السمراء.

وتقول الدكتورة يسرية حسني، الباحثة الأثرية والأستاذة بجامعة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» في حوار معها إن «مسجد تربانة أحد أهم مساجد الإسكندرية وهو يتميز بطراز فريد من نوعه، إذ يتميز تخطيطه بمساحة مستطيلة تضم 4 بوائك من العقود المدببة أطلق عليها اسم (إيوان الجامع). ويضم الجانب الشمالي الغربي والجانب الشمالي الشرقي لهذه المساحة المستطيلة زيادتين يطلق على كل منها (خرجة)، مما يجعله أقدم نموذج باق لهذا النمط من التخطيط».

وتصف الدكتورة يسرية، مؤلفة كتاب «دليل الإسكندرية التاريخي والأثري» المسجد من الخارج، مشيرة إلى «أن واجهته الجنوبية الغربية هي الواجهة الرئيسية، التي تنقسم إلى قسمين: قسم سفلي فيه محال مسقفة بأقبية متقاطعة وقبب من الآجر المغطى بطبقة من الملاط، وسبيل مبني على نمط الأسبلة المملوكية، وفي وسط الواجهة فتحة شباك مستطيلة ذات حليات نحاسية يتقدمه حوض من الرخام، ويوجد أعلى الشباك عتب خشبي غير مزخرف تعلوه 3 صفوف من المقرنصات ذات عقود منكسرة، وعلى جانبيها زخارف بالطوب المنجور باللون الأحمر والأسود بالتناوب. ويتوج المدخل عقد مدائني محدد بالطوب المنجور، وتوجد زخارف هندسية عبارة عن مربعات ومثلثات، أيضا بالطوب المنجور باللونين الأحمر والأسود، وهو يؤدي إلى حجرة بها الصهريج».

وعن الصهريج تقول «اكتشاف هذا الصهريج هو إضافة للصهاريج الأثرية الموجودة في الإسكندرية، التي كان السكان يعتمدون عليها للحصول على مياه الشرب. وكان هذا الصهريج يملأ مرة كل سنة، غير أنه هدم وحول إلى محل، وكان مدخله عبارة عن ضلفة واحدة خالية من الزخرفة، وعلى جانبيه دخلتان يتوجهما عقدان مدببان في كل منهما شباك خرط صهريجي مائل تعلوه نافذة مستطيلة».

وتشير الدكتور يسرية حسني إلى أن «في هذا المسجد ظاهرة غير موجودة في باقي مساجد الإسكندرية، إذ توجد على جانبي المدخل الرئيسي للمسجد قاعدتان مربعتان على كل منهما برمق من الخشب الخرط، تتوسطها فتحة باب مستطيلة يغلق عليها باب خشبي غير مزخرف، يعلوه عتب خشبي تعلوه نافذة مستطيلة من خشب خرط دقيق نفذ عليها كتابات بالخط الكوفي المربع (ادخلوها بسلام آمنين)، وعلى يمينها ويسارها مربعان يعلوهما مستطيلان مزخرفان بأوراق نباتية وكتابات كوفية بالجص باللون الأسود على أرضية حمراء وأطباق نجمية، وتوج المدخل بعقد مدائني تتدلى منه عقود مدببة مرتكزة على وتد خشبي ذي مقرنصات».

أما عن المئذنة فهي تنتمي كما تقول «إلى طراز المآذن المملوكية، وهي تعد أقدم مئذنة لهذا النموذج. وهي تتخذ شكل شمعة ذات ضلوع بارزة، تنتهي بخوذه بصلية ملساء تخرج منها أطراف خشبية كانت لتعليق القناديل في ذلك الزمان. وتطل واجهة المسجد الشمالية الشرقية مباشرة على الميناء الشرقي للإسكندرية، أما الواجهة الجنوبية الشرقية فتقع أسفلها مجموعة من المحال التجارية».

هذا، ولقد تأثرت عمارة المسجد بالطراز المغربي، وهنا تشير الباحثة والأستاذة يسرية حسني في وصفها لجمالياته «تزخرفه بلاطات خزفية مغربية بأشكال هندسية من دوائر ومعينات وأطباق نجمية. ويمكن الدخول إلى المسجد عبر مدخلين، أما سقف إيوان الصلاة فهو مكون من البراطيم الخشبية، ويتميز بزخرفة نادرة بالألوان الزيتية وعناصر هندسية على طراز الأسقف العثمانية. كذلك توجد دكة للمؤذنين يمكن الصعود إليها عن طريق سلم خشبي تعلوها زخارف بالألوان الزيتية، وهي على نمط الدكك العثمانية إلا أنها تعرضت التلف في الألوان والزخارف، وهي أقدم نموذج باق من هذا النوع المزخرف بمساجد الإسكندرية».

أخيرا، مع أن مسجد تربانة يقع في أكثر مناطق الإسكندرية حيوية ويؤمه الكثير من أهالي الإسكندرية فإن قيمته الأثرية والمعمارية غائبة عنهم، وكان حتى الآن غائبا أيضا عن الخريطة السياحية الإسلامية بالإسكندرية.