مصنوعات «القش» تعود إلى المنازل المغربية بأشكال جمالية ولوحات حائطية

الطريقة العصرية لحصد القمح أثرت على مهنة توارثتها أجيال

مصنوعات متنوعة من القش («الشرق الأوسط»)
TT

ازدهرت خلال فترات سابقة في المغرب بعض الصناعات اليدوية التي صارت منتجاتها جزءا من التراث الشعبي المغربي، وغدت مهنا تتوارثها الأجيال، بيد أن موجة العودة إلى «القديم» أعادت إحياء منتجات شارفت خلال العقود الأخيرة على الانقراض.

ضمن هذه المنتجات الحرفية العائدة إلى الساحة مصنوعات القش، ولكن من خلال أشكال مستحدثة لتتناسب مع الحياة العصرية بعدما حوّلتها أيادي صناع مهرة إلى أطباق ملونة وأدوات منزلية جذابة. ويمكن القول عموما إن القش حافظ على مكانته، واحتل مكانه بين الأثاث المنزلي والديكورات، بل تحول إلى لوحات علقت على جدران المنازل إلى جانب اللوحات والتحف. وفي الآونة الأخيرة برزت حرف يدوية عدة متصلة بالقش تتميز بفنياتها وأشكالها الإبداعية، ومنها تلك التي كانت سائدة في معظم الأرياف المغربية، وفي أحياء المدن العتيقة، حيث تحرص بعض النساء على صنع أدوات القش وإنجاز أشكال ورسوم جذابة، لإضفاء جمالية على البيت.

وعادة ما تتنافس النسوة والفتيات على إنجاز مصنوعات من القش، كالسلال والأطباق وما إليها، ويكون التنافس قبل كل شيء على سرعة الإنجاز، وابتكار رسوم جديدة يتم إدخالها عليها. وغالبا ما تستعمل هذه الأطباق والسلال لقطاف التين والعنب وبعض الفواكه الأخرى، ولذا فإنها تصنع قبل موسم القطاف، كما يرغب في استخدام السلال خصوصا لحمل أو تخزين الحبوب كالقمح والحمص والعدس.

من ناحية ثانية، ثمة حرص شديد على صنع الأطباق الملونة، بعد صبغ القش بألوان متعددة، التي تخصص عادة لكي يوضع عليها الخبز، وبالتالي يجب أن تكون متميزة عن تلك الأطباق العادية التي تستعمل في الحقول والبساتين. وبذا تحتاج أطباق الخبز إلى الجمال اللوني والشكلي بالإضافة إلى ما تتطلبه من المهارة الشديدة ودقة الصنع وجودة أعواد القش المستعملة في صناعتها.

في الآونة الأخيرة تراجعت مهنة أو حرفة صناعة القش كثيرا بعد ظهور أدوات جديدة، واعتماد المزارعين في حصاد القمح على الآلات التي تنزع الحبوب فلا تغدو السنابل صالحة لصناعة القش، إلا أنه ما زال هناك بعض المهتمين بصناعات القش بعدما أعادت وجودها بشكل مختلف. ويقول سعيد الزيتوني، وهو من الحرفيين المهرة في هذه الصناعة «صناعة أطباق القش التي استعملت فترة طويلة في الأرياف حتى عقد الثمانينات، كما استعملت في البيوت العربية القديمة لقرون خلت، عادت إلى الواجهة بعد تعدد استعمالات منتجاتها». ويتابع الزيتوني شارحا «كان الطبق المصنوع من القش مخصصا لتقديم وجبات الطعام الرئيسية فقط، وهي الفطور والغداء والعشاء، بالإضافة إلى الاستعمالات المنزلية الأخرى، كما كان طبق القش ينتقل من البيت إلى الأرض الزراعية، محمولا فوق رأس المرأة الريفية. أما الآن فأصبح استعماله نادرا ضمن البيوت، لكنه صار عبارة عن لوحة تراثية برسومها المختلفة وألوانها الجميلة، تستحق تماما أن تعلق على جدران المنازل كجزء من الديكورات الحديثة».

ومن جهته، يقول الحرفي إدريس الموساوي «هذه الصناعة اليدوية ارتبطت بالريف سابقا، وأساسها القش المستخرج من عيدان القمح والذرة والشعير. وهذه المادة النباتية البسيطة يجري إنتاجها بعد الحصاد بالطريقة اليدوية، أي بالمنجل، إذ تأخذ المرأة الريفية السنابل التي تراها مناسبة لصنع الأطباق، وأفضلها السنابل ذات الساق الطويلة والرفيعة، ثم تفصل رؤوس السنابل عن الساق، وتنزع عنها الأغلفة التي تبطن الساق، فتكون عيدان القمح هي المخلفات المهملة من محصوله المخصص للطعام، ولكن تتم الاستفادة منها بصنع أدوات مفيدة من القش يحتاجها البيت دائما». ويضيف: «ورغم بساطة هذه المادة والإحساس بأنها من المهملات، فإنها تشكل المادة الأساسية والدائمة لصناعة يدوية فولكلورية مارستها النساء الريفيات بشكل خاص، ونمارسها الآن لنصنع أشكالا جميلة عدة بعدما أصبحت مصنوعات القش من التراثيات المشهورة».

وعن علاقة المهنيين بهذا النوع من الصناعة التراثية، يقول الموساوي «بدأت أعمل بهذه المهنة منذ كان عمري 15 سنة، وأحببت هذه الصناعة كونها مهنة يدوية تتطلب الإجادة والابتكار، وتملأ الفراغ بعمل مفيد، وكون المادة الأولية متوافرة في المناطق الريفية بكثرة. لكنها أخذت في التناقص خلال العقدين الأخيرين بسبب اعتماد أكثر الفلاحين على الحصاد الآلي، ومع هذا فإننا نحصل على حاجتنا من سنابل القمح لنحقق الاستمرار لمهنتنا المتوارثة لاقتناعنا بقيمتها، وإعجابنا بها، بعدما بدأت تحقق الرواج وتنال رضا السياح وتعتبر من الفولكلور القديم».

وعن المراحل التي تمر بها صناعة القش، يقول أحمد صادقي، المتخصص في هذه الصناعة منذ سنوات، «نأتي بالقش المناسب لهذه الصناعة، ونقوم بتنظيفه في مغاسل واسعة ببطء، ونفرزه، ونزيل عنه بقايا آثار الحصاد، ثم نجري عليه عملية الصبغ والتلوين بعد وضعه داخل إناء نحاسي فوق النار مع الصبغة والماء وكمية من الملح. وبعد ذلك نثبت الألوان بشكل جيد حتى لا تمتزج. ثم بعد الغلي نجفف القش الملون تحت أشعة الشمس، ومن ثم نبدأ بعملية التصنيع فنقوم بوضع القش الذي نحتاجه للعمل الفوري بالماء البارد خلال فترة ساعة، ثم نحمل القش من الماء ونتركه ليجف، ونصنع النموذج المطلوب. وغالبا تكون أكثر النماذج غير صالحة للاستعمال المنزلي الخاص، كما كان يحدث في الماضي حينما كانت الأطباق والسلال من أدوات الطعام الأساسية أو مخصصة لنقل محاصيل الحقول، والآن نجهزها للزينة والديكور لأن أدوات القش تعيد ذاكرة الإنسان المعاصر إلى الماضي الجميل».

وعن متطلبات مهنة صناعة القش، يختتم شارحا «يجب أن يكون القش طريا أثناء عملية الصناعة، وعندما أصنع نموذجا أتعمد تداخل الألوان حسب انسجام بعضها مع بعض، وأبتكر من مخيلتي رسوما معينة ثم أنقلها إلى الورق وأنفذها على لوحة فنية مصنوعة من القش. وأحيانا أستفيد من اللوحات التشكيلية ولوحات الخط العربي وأنقل بعض محتوياتها إلى أطباق القش فأحقق المهمة الفنية لهذه الصناعة».