حرب «كر وفر» يخوضها مزارعو التمور السعودية لمواجهة أسراب الطيور والعصافير

في إطار الحفاظ على محاصيلهم

حروب عدة يبتكرها مزارعو التمور في السعودية خشية وصول الطيور المهاجرة والعصافير إلى المنتجات الزراعية التي يعملون عليها ربما أشهرا عديدة لانتظار محصولها («الشرق الأوسط»)
TT

التفاصيل الدقيقة للحياة مع المزارعين، مليئة بالقصص والأحداث، البعض منها، أي تلك القصص، يدعو للتفكير جليا في بعض الأمور التي قد لا تخطر على البال، الحديث هنا عما يبتكره بعض المزارعين من طرق للحفاظ على مزروعاتهم من الطيور، التي في الغالب ما تكون عدوا لدودا للمزارعين بعد بذر البذور ووقت قطافها.

منطقة القصيم، التي تعتبر في السعودية أهم منطقة من الناحية الزراعية لخصوبتها ووفرة المياه الجوفية في أراضيها، يبتكر البعض من مزارعيها ممن يشتهرون بزراعة التمور، طرقا لمواجهة أسراب الطيور، خشية انقضاضها على البذور، وبالتالي تفسد ما يتم التخطيط له على مدى أشهر من السنة.

فمع دخول عشرة الأيام الأخيرة من شهر أغسطس (آب) الذي ترتفع معه درجات الحرارة لمعدلات قياسية والذي تصادف هذا العام شهر رمضان المبارك، تمنى مزارعو وأهالي بريدة (العاصمة الإدارية لمنطقة القصيم) اشتداد حرارة الجو أواخر الشهر، وأن تكون حرارة الليل مقاربة للنهار بمستوى يتجاوز 40 درجة مئوية، ليكتمل معه نضوج التمر، الذي يبدأ جمعه في أول أغسطس حتى نهايته لأصناف محددة من التمور، التي تشتهر بها بريدة.

البعض من المزارعين، يبتكر طريقة وجود «مدفع» هوائي صوتي، مهمته بث الرعب في أسراب الطيور، حتى لا تقترب من المحصول الزراعي، وبالتالي يمكن إفساده في هجوم قد تنفذه تلك الأسراب في لمح البصر.

المدفع الصوتي طبقا للمزارع السعودي عبد العزيز التويجري، وهو مزارع سبق أن عمل رئيسا لناد رياضي في تلك المنطقة، يواجه خلاله المزارعون خطر تهديد أسراب الطيور على المنتجات الزراعية الموسمية، وهي الطريقة التي لا تحدث ضررا على الطيور، لمجرد اقتصاره على إصدار صوت مرتفع فقط في المساحات المزروعة، وهي الطريقة التي قد تكون حائلا بين هجوم تلك الطيور على المحاصيل الزراعية المنتظرة.

البعض الآخر من المزارعين، يجد نفسه مستفيدا من طريقة أخرى، وهي ترويع أسراب الطيور عن طريق وضع ملابس رجالية أو ربما نسائية، المهم أنه يتم كسوة عمود يكون ارتفاعه في الغالب طويلا في السماء، ليكون بمثابة وسيلة تروع الأسراب تلك، وبالتالي يكون مانعا من انقضاضها على تلك المحاصيل، وتختلف الطرق الفنية في تلبيس الأعمدة تلك، فالبعض منهم يكسوه ثوبا رجاليا فقط، والبعض الآخر يضطر إلى أن يكسوه ثوبا رجاليا وشماغا أسوة بالزي السعودي، في توقع أن أسراب الطيور اعتادت على رؤية البشر في تلك المنطقة بهذا الشكل، وبالتالي تمتنع من الاقتراب من المساحات المخصصة لزراعة محاصيل زراعية معينة.

من أكثر المشكلات التي تواجه المزارعين خلال مرحلة جني التمور اختيارهم أطيب وأفخر التمور. فالتويجري يرى أن من الطرق التي يعمد لها المزارعون، وسط بساتين النخيل لتفريق العصافير والطيور، تخصيص المزارعين نخيلا معينا لتكون غذاء للطيور والعصافير، لا يقوم المزارعون بجنيها ولا انتظار جني محصولها.

ويدخل المزارعون في حرب كر وفر مع طائر العصفور، بسبب هجماته على عذوق (جذور) التمور، واختياره أطيب التمور، وهو الأمر الذي قد يسبب خسائر لمنتجي التمور، ويقوم المزارعون بعمل طرق لصد هجمات العصافير على النخيل، منها «تكميم العذوق»، وهي عبارة عن لف العذق بلفافة بلاستيكية تمنع وصول العصفور والطائر للتمر، بالإضافة إلى الطرق الأولى التي تطرقنا إليها في السابق.

وقد شهدت مدينة التمور في بريدة ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية، خلال احتضان مهرجان التمور في نسخته العاشرة، وسط تدفق واسع لمنتجي التمور لتسويق إنتاجهم. وبحسب القائمين على السوق فإن الكميات المتداولة بالسوق زادت بشكل ملحوظ مع دخول عشرة الأيام الماضية، وهو ما أرجعه الدكتور خالد النقيدان المدير التنفيذي لمهرجان التمور، إلى نضوج التمر بكميات كبيرة في المزارع، وهو الأمر الذي انعكس على السوق، حيث وصل عدد المركبات التي تدخل السوق يوميا محملة بالتمور أكثر من 2500 سيارة، وتوقع في ذات الوقت أن يرتفع الإنتاج لهذا العام، ليصل إلى أكثر من 200 ألف طن، مستدلا بالتدفق الموازي من قبل الزبائن لسوق الأفراد والتجار، وارتفع معه الطلب أيضا على التمور، وتجاوز سعر صندوق التمر من النوعية الفاخرة قرابة 450 ريالا، وهو أعلى سعر سجله المهرجان.

ويعد شهر أغسطس شهر الفرح لمدينة بريدة وأهلها حيث ينخرط جلهم في زراعة النخيل. ويبلغ عدد النخيل في المنطقة ما يقرب من 6 ملايين نخلة. وتكون الابتسامة مرسومة على المزارعين طوال هذا الشهر وهم يراقبون إنتاجهم من التمور، ويطلقون على النصف الأول من الشهر الثامن «طباخ التمر».

وتتدرج عمليات نضوج التمر في السعودية التي تبدأ منذ شهر مايو (أيار)، وتكون البداية بالمناطق الغربية والجنوبية التي تعرف بحرارتها العالية، لتأتي تمور وسط السعودية التي تبدأ من أول شهر أغسطس، ومن ثم تأتي متأخرة تمور مناطق شمال المملكة، بمدة تصل إلى شهر كامل، نتيجة برودة أجواء تلك المناطق ليلا.