«بكيا».. مقهى ثقافي يشجع الشباب على قراءة الكتب المستعملة

دشنته 5 فتيات على غرار سور الأزبكية الشهير بالقاهرة

المقهى من الداخل حيث الحرص على الراحة والهدوء للاستمتاع بالقراءة («الشرق الأوسط»)
TT

انطلاقا من القول المأثور: «الأشياء القديمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة»، وفي ظل الإيقاع الشعبي للنداء الشهير «بكيا»، اختصارا لكلمة «روبابكيا» الذي كثيرا ما يتردد في الشوارع المصرية مصحوبا بعبارة «أي حاجة قديمة للبيع»، دشنت خمس فتيات مشروعا ثقافيا طريفا أصبح الآن مرتبطا لدى الشباب بكافيه صغير، في أحد الشوارع الجانبية في ضاحية مدينة نصر بالقاهرة، لقراءة وبيع الكتب المستعملة.

الفتيات الخمس في بداية العشرينات من العمر وعاشقات للقراءة.. زميلتهن رنا الفرماوي، مسؤولة العلاقات العامة في الكافيه، تحكي قصته فتقول: «نحن خمس صديقات في مرحلة الدراسة الثانوية، وعلى الرغم من أننا مختلفات في الكثير من الرؤى والأفكار، فإن حب القراءة جمعنا، فنحن الخمسة نقرأ تقريبا كتابا يوميا، فالكتاب لا يفارقنا، وكل واحدة منا لديها غرفتان في منزلها مملوءتان بالكتب، فنحن مهووسات بحب الكتب، نشتريها من المكتبات ومن على الإنترنت، وفي إحدى المرات كانت إحدانا تبحث عن كتاب محدد ولم تجده، فقامت بعمل إعلان في أحد الجرائد على أمل أن تجده عند أحد يرغب في بيعه.. في رحلة البحث وتجميع الكتب، كان لا بد أن نذهب إلى سور الأزبكية الشهير لبيع الكتب القديمة، وكنا نستمتع جدا بالبحث في وسط الكتب القديمة والمستعملة، فكنا نشعر بإحساس مختلف تماما ونحن في سور الأزبكية عن الذهاب لأخذ كتاب من فوق رف إحدى المكتبات. والمدهش في سور الأزبكية أننا كنا نجد كتبا لم تنزل مصر بعد، مثل كتاب (شفرة دافنشي The Givenchy Code)، هذا الكتاب الذي أثار ضجة وتم منعه من مصر، قمنا بشرائه من سور الأزبكية قبل أن ينزل المكتبات المصرية بـثمانية أشهر، وبسعر زهيد جدا. وكنا نجد كتبا كثيرة جدا نادرة وثمينة، فاكتشفنا أن سور الأزبكية عبارة عن كنز بفضل الكتب المستعملة التي تباع فيه».

تتابع رنا: «انبهارنا بسور الأزبكية والكتب المستعملة، بالإضافة إلى وجود كمية كبيرة لدينا من الكتب المستعملة، جعلنا نفكر في إقامة مكتبة للكتب المستعملة وكافيه، فكنا نريد توفير مكان للشباب يلبي احتياجاتهم ويشجعهم على القراءة، يستطيعون فيه الجلوس باسترخاء وتناول مشروب بسعر معقول وقراءة كتاب، أو إنهاء بعض الأعمال عن طريق توفير خدمة الإنترنت مجانا».

في رمضان 2010 قررت الفتيات الخمس البدء في اتخاذ خطوات عملية لترى فكرتهم النور، وبالفعل بدأن في اختيار المكان وتجهيزه، ولكن ساورتهن بعض المخاوف من ردود أفعال الشباب، فبحسب رنا: «تخوفنا من عدم نجاح الكافيه، وألا يلقى قبولا لدى الفئة المستهدفة وهم الشباب لعدة أسباب، أولها مكان الكافيه، فهناك مناطق محددة في القاهرة معروفة باهتمام سكانها بالقراءة، مثل وسط البلد والمعادي والزمالك، حيث يقطن بها عدد كبير من الأجانب، في حين أننا سنفتح الكافيه في مدينة نصر، لأننا من سكان هذه المنطقة، فيسهل علينا متابعة العمل في الكافيه، أما التخوف الثاني فهو عدم إقبال الشباب على شراء الكتب المستعملة، فالبعض يرفض قراءة كتاب قرأه أحد قبله، على الرغم من أنني أرى أنه شيء ممتع جدا أن أفتح كتابا وأجد فيه ورقة أو كارتا أو بعض الملاحظات والعلامات على بعض السطور».

وبحماس تستطرد مسؤولة علاقات المقهى: «تغلبنا على مخاوفنا على الرغم من كم الإحباطات التي كنا نواجهها، بسبب صغر عمرنا، كما أن البعض كان يرى أن وجود 5 مديرات للمكان سيولد الكثير من المشكلات، ولكن السنوات العشر التي بيننا كانت أقوى والحمد لله، وقمنا بتقسيم المهام والاختصاصات فيما بيننا، فأنا مسؤولة عن العلاقات العامة، وريم خميس مسؤولة عن الكتب الإنجليزية، ونانسي هادي مسؤولة عن الكتب العربية، وسارة بوكتر مسؤولة عن قائمة المشروبات والطعام، ويارا طه مسؤولة التمويل.. بدأنا في تجهيز الكافيه، وقمنا بتأسيسه من الألف للياء بأنفسنا، وكان الافتتاح في شهر مارس (آذار) الماضي، والحمد لله الفكرة وجدت إقبالا كبيرا من قبل الشباب أكثر مما كنا نتوقع».

بمجرد أن تدخل «بكيا» ستجد الكتب في كل مكان، فواجهة الكافيه زجاجية ومرصوص بها الكتب بشكل جذاب، وعندما تجلس ستجد الكتب تحوطك من كل اتجاه، فوق الأرفف، وعلى ظهر الأريكة، وعلى المنضدة وأسفلها، وبالتالي فلا بد أن يلفت نظرك أحد هذه الكتب، وستجد يدك تمتد بتلقائية لتسحب إحداها لتستغرق في القراءة في جو مريح وحميمي، كأنك تجلس في غرفة معيشة منزلك، واللافت للنظر أيضا وجود بعض الكتب والمجلات موضوعة بشكل عشوائي داخل سلال من الخوص، لتستمتع بالبحث والتنقيب داخل هذه السلال عن كتابك المفضل.

في «بكيا» ستجد تشكيلة كبيرة من الكتب الإنجليزية والعربية، فهناك كتب أدب وسياسة وتاريخ وكتب دينية، وكتب فنون وأشعار وروايات، وكلها مستعملة بالطبع، لكنها تبدو مثل الجديدة، وهذه الكتب متاحة للتصفح داخل الكافيه مجانا، أو للبيع بأسعار زهيدة لمن يرغب. هذه الكتب قام فريق عمل «بكيا» باختيارها من مكتباتهن الخاصة، وتبرع الكثير من أصدقائهن بكتبهم المستعملة، كما أنهن يقمن بشراء الكتب المستعملة ممن يرغبون في بيعها، وإذا كانت لديك بعض الكتب وتريد مشاركتها مع الآخرين دون بيعها فيمكنك وضعها في «بكيا» وسيكتب عليها اسمك، ويمكنك استردادها في أي وقت. كما أن الكتب التي قمت بشرائها من «بكيا» إذا أردت بيعها لهم مرة أخرى فهن على استعداد لشرائها مرة أخرى، ولكن بسعر جديد حسب حالة الكتاب، وذلك لتشجيع الشباب على قراءة أكبر عدد ممكن من الكتب، فبحسب رنا: «هدفنا ليس الربح، وإنما جعل الشباب يحبون القراءة ويقبلون عليها».

توجد أيضا تشكيلة من الكتب الجديدة تباع في «بكيا»، تقول عنها رنا: «أضفنا مجموعة من الكتب الجديدة للبيع فقط، مثل كتاب الدكتور محمد البرادعي الجديد (عصر الخداع The Age of Deception)، وكتاب آخر هو (Tweets of Tahreer)، نظرا لارتباطهما بأحداث الثورة، أما باقي الكتب الجديدة فهي للمواهب الشابة التي تخطو أولى خطواتها في عالم الكتابة، فأردنا تشجيعهم ومساعدتهم على النجاح والانتشار، مثل كتاب (مواطنة مفروسة)، والكتاب الساخر (أوتوستراد)، وهذا الكتاب فكرته ولدت هنا في الكافيه، وفريق العمل تعرف بعضهم على بعض لأول مرة في «بكيا»، فصغر حجم الكافيه يخلق فرصة للتعارف بين الموجودين وتكوين صداقات جديدة، خاصة أثناء اللعب، فنحن نوفر في الكافيه مجموعة ألعاب جماعية، مثل (Scrabble) و(Pictionary)، ونقوم بعمل فرق تنافسية ونقدم جوائز، لخلق أجواء مرحة في المكان».

أثناء القراءة أو اللعب يجب أن تجرب إحدى مشروبات «بكيا» المتميزة، التي أطلقوا عليها أسماء أشهر الشخصيات في الكتب والروايات، مثل مشروب دليلة الذي يعطيك قوة شمشون، أو مشروب «Mr. Darcy» بطل رواية «Pride and Prejudice» لجين أوستن. هذا المشروب لكل جريء، أما إذا كنت بحاجة إلى قوة مضاعفة فعليك بمشروب «Hulk»، أما قائمة «الكوكتيلات» فبها بعض الأسماء الغريبة، مثل «كوكتيل الجندي» و«كوكتيل جيمي»، وذلك لأن بنات «بكيا» أقمن مسابقة بين رواد موقع «تويتر»، فمن يبتكر كوكتيلا جديدا ولذيذا سيسمى باسمه، ميزة أخرى في قائمة «بكيا» هي أنك تستطيع إطلاق العنان لخيالك لتضع مقادير مشروبك الخاص.

في «بكيا» لن تستمتع فقط بقراءة الكتب، وإنما هناك الكثير من الأنشطة والحفلات التي ينظمها ويستضيفها المكان مجانا، فبحسب رنا: «نقوم في الكافيه بإقامة حفلات موسيقية للفرق الشبابية الموهوبة والجديدة، وحفلات تخت شرقي، وورش عمل كتابة، وعروض أفلام، وعروض كتب، وحفلات توقيع لبعض الكتب، وندوات سياسية»، وبحسب رنا: «عندنا نحو أربعة أنشطة ترفيهية وتثقيفية في الشهر وكلها مجانية، فنحن لا نريد أن يكون (بكيا) مجرد كافيه أو مكتبة للكتب المستعملة، وإنما بذرة لصرح ثقافي كبير».