لبناني يزين الأصداف ويزخرفها.. ويورث المهنة لابنه حفاظا على استمرارها

احترفها منذ 5 سنوات ولكن بعد 30 سنة من الهواية

منتجات أبو محمد وزبائنه («الشرق الأوسط»)
TT

جمع بين فني الرسم والنحت، متجدد الأفكار، يترجمها بمجهوده الفردي من أصداف متعددة الأشكال والأحجام والألوان.. إلى أعمال تعشقها أعين الزوار من داخل لبنان وخارجه.

منذ خمس سنوات، احترف «أبو محمد» حازم مهنة تزيين الصدف وزخرفته على «بسطته» المتواضعة القابعة قبالة قلعة صيدا البحرية بمدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان، حيث يعرض منتوجاته الصدفية من تحف وزينة ومجسمات حتى ساعات الليل الأولى.

يقول حازم - أو «أبو محمد» - لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «هذه مهنة تراثية من المهن القليلة الانتشار في لبنان. وهي قديمة جدا تعود إلى أيام الفينيقيين مع اكتشاف الصباغ الأرجواني الذي أخذ من صدفة الأرجوان (الموريكس) الموجودة على شاطئ البحر. هذا المكان ما زلت أقصده منذ صغري باحثا عن الصدف.. لكي أصنع منه معروضاتي».

ومن هنا بدأ حازم التعرف على كيفية التفنن في الرسم والنحت على الصدف، فراح يصنع منها الثريات (نجف الإنارة) والحلي الجميلة كالعقود والأساور، وكذلك التحف وقطع الزينة، والمجسمات وسجاد الحائط، حسب أحجامها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة.

أما الأصداف الغريبة والنادرة فلها أهميتها الخاصة لدى ابن صيدا، الذي كان في الماضي يغطس لساعات للحصول عليها، ثم يقوم بتنظيفها وتعريضها لأشعة الشمس، ومن ثم يعرضها على طبيعتها ضمن مجموعته الكبيرة.

بعض القطع تحتاج إلى سبع ساعات متواصلة من العمل لإنجازها، كتزيين علبة المناديل بالصدف، وبعضها الآخر لا يحتاج إلى أكثر من نصف ساعة أو عشرين دقيقة. وعن المواد التي يستعملها حازم في رسمه ونحته، يرد «.. هذا سر المهنة الذي أحتفظ به لابني البكر محمد».

إلى مختلف الفئات العمرية ينتمي زبائن عاشق الصدف، الذي يؤكد ابتعاده عن الانتهازية في الأسعار، «لأنها واحدة للجميع.. ومعظم زبائني من اللبنانيين ويأتونني من مختلف المناطق، من الشمال إلى الجنوب، ومن البقاع إلى الجبل وبيروت».

والملاحظ أن السياح العرب والأجانب، ممن يزورون القلعة وخان الإفرنج والأسواق القديمة في صيدا، يختارون «المنتوجات الصدفية الغريبة والمميزة، وطبعا الخفيفة الوزن.. لكي يسهل حملها أثناء سفرهم».. يوضح «أبو محمد» الذي توقف عن الغطس منذ سنة.

إبداع حازم لا يتوقف عند حد. وهو استخدم الصدف في ابتكار أشكال جمالية عديدة، كصنع السفن الصغيرة المصدفة لتزيين صالونات المنازل، ومجسمات أزهار ونباتات وحيوانات، فضلا عن العلب المخصصة للمجوهرات، والأسماك وغيرها.

أما الأشياء غير المتوافرة لدى «أبو محمد» من إكسسوارات وغيرها، فهو جاهز لتأمينها بعد أيام معدودة، وفقا للشكل والقياس المطلوبين، معتمدا في ذلك على التنسيق مع فريق من الفتيات، يتراوح عددهن بين 5 و12 فتاة، ينتسبن إلى «جمعية تمكين المرأة» اللبنانية، ويقمن بتأمينها، لا سيما في فترة الأعياد. وهذه الجمعية تخصص الأرباح لمساعدة الفقراء والمعوقين، في حين تعود كلفة البضاعة لحازم في مبادرة تشمل المحافظات اللبنانية كافة، وفي عمل تنتجه الفتيات من منازلهن، آخذا طريقه إما إلى «بسطة» حازم، وإما إلى المعارض التابعة للجمعية.

مصادر صدف حازم كثيرة، وهو يخصص أربع ساعات يوميا طيلة فصل الشتاء للبحث عنها على الشاطئ، خاصة بعد هبوب العواصف والرياح، ولا يتردد أحيانا في شراء ما يراه مناسبا من صيادي الأسماك، ومن بعض الغطاسين، الذين يمارسون هوايتهم على الشاطئ الممتد جنوبا حتى مدينة صور، بينما يقدم بعضهم له ما علق في شباكهم مجانا.

أنواع كثيرة يستوردها حازم من الخارج ويدفع ثمنها، وأخرى يرسلها إليه أصدقاؤه من إندونيسيا وكوبا ومن دبي (من نوع عقرب) ومصر (من على شاطئ البحر الأحمر).

وقال حازم ردا على سؤال «لدي أنواع من الصدف والمرجان لا توجد عند غيري. أنا أعمل على تطوير هذه الحرفة الماضية نحو الزوال، علما بأنني ورثتها عن أجدادي وأحببتها، كما أنها ترد علي عائدا مقبولا بفضل حركة البيع الجيدة في فصل الصيف.. قبل أن تتراجع شتاء».

بين 3 آلاف و30 ألف ليرة تتراوح أسعار معروضات من بات يمتلك محترفا خاصا به منذ سنوات، وهو يراقب «الموضة» بشكل شبه يومي، خاصة تلك المتعلقة بالفتيات، ليباشر صناعة أشياء كثيرة لهن كتحويل قرن الصدفة إلى قلادة في العقد.

وفي المناسبات الخاصة كالولادة، والخطوبة، والأعراس تنضم زوجة حازم وبناته إليه أحيانا، مشكلين معا فريق عمل موحدا في تأمين ما هو مطلوب كضم الأساور والعقود، وتزيين أطباق الضيافة، وصناعة إطارات المرايا، ومجسمات للإضاءة.

وخلال حوارنا معه كشف «أبو محمد» عن نيته توريث هذه الحرفة لابنه محمد (25 سنة)، «لأنها جيدة وحلوة»، خاصة بعدما لمس لديه إبداعا ترجمه مرات عديدة إلى صناعة قطع صغيرة ومميزة في كل مرة تركه فيها وحيدا مع البسطة، لكي يسير بعض الأمور المهنية والمنزلية.

من جهة أخرى، يتجه حازم اليوم إلى عرض منتوجاته في مدينة جبيل، إلى الشمال من بيروت، بهدف بيع أشياء مميزة غير متوافرة هناك، لافتا أيضا إلى قبوله عرضا قدمته إليه شركة سياحية في سلطنة عمان، من أجل عرض منتوجاته عندها.

ويختم حازم حواره معنا بالقول «أنا مستمر في مهنتي، التي تتطلب نفسا طويلا وإرادة قوية، ما دام ظل لها ذواقة وزبائن يختارون معروضاتي كتذكار وطني، أو لبناني يحتفظون به، لكنني في هذه المناسبة أناشد المسؤولين اللبنانيين إيلاء هذه المهنة الدعم الكافي من أجل المحافظة عليها، خاصة أن عدد العاملين فيها اليوم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة».