«التلكس» يتقاعد في المغرب.. وينتقل إلى المتحف معززا بعد خدمة 67 سنة

«الفاكس» ما زال صامدا.. والبريد الإلكتروني يزحف

جانب من مقتنيات المتحف («الشرق الأوسط»)
TT

توقّف العمل بتقنية «التلكس» في المغرب قبل ثلاث سنوات، وكانت آخر مرة يستعمل فيها عام 2008 على يد شركة للدراسات والعقار في الرباط، لكنه دخل الآن إلى المتحف، ليس بالمعنى المجازي بل بالمعنى الفعلي، إذ تعرض نماذج من أجهزة التلكس في متحف «اتصالات المغرب» في ضاحية الرياض بالعاصمة المغربية.

ما يستحق الإشارة أن جميع الإدارات المغربية أوقفت عام 2008 استخدام التلكس الذي عوّضته وسائل الاتصالات الحديثة، وكان شرع في الاستغناء عنه قبل ذلك تدريجيا من معظم الإدارات الحكومية، بدءا من عام 1998، ومن ثم جرى نقله إلى متحف «اتصالات المغرب».

تاريخيا، كانت الخدمات السلكية واللاسلكية قد أدخلت إلى المغرب إبان عهد السلطان مولاي يوسف في أكتوبر (تشرين الأول) 1913 حين أسّس «مكتب البريد والتلغراف والتلفون»، كما كان يسمى في ذلك الوقت، وأقرّت سلطات الحماية الفرنسية احتكار التلغراف والتلفون السلكي واللاسلكي يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1924.

وفي هذا الصدد، ذكر الشرقي دهمالي، محافظ «متحف اتصالات المغرب» في حوار معه أن «استعمال التلغراف في المغرب كان مقتصرا على بعض المؤسسات الحكومية والوزارية. وقد استعمل التلغراف في «مكتب البريد والتلغراف والتلفون» خلال الفترة ما بين 1914 و1956 وفي «وزارة البريد والتلغراف والتلفون» استعمل خلال الفترة الممتدة ما بين 1956 و1984، كما استعمله «المكتب الوطني للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية» بين عامي 1984 و1998. وأوضح دهمالي في شرحه التاريخي أن التلغراف «كان مرتبطا بالمؤسسات الحكومية وكان في ملكية الدولة، إذ ما كان يحق لأي شخص امتلاكه»، مشيرا إلى أن جميع عمليات الاتصال والتواصل كانت تنجز من «مكتب البريد» أو «البوستة»، كما هو اسمه الشعبي في المغرب. وتابع دهمالي أنه «على الرغم من بروز وسائل اتصال حديثة، فإن التواصل عبر التلكس لم يتوقف إلا عام 2008. أما البداية الفعلية لاستعمال أجهزة التلكس في المغرب فكانت في بداية عقد الأربعينات من القرن الماضي. وفي عام 1982 أستعمل لأول مرة التواصل عبر أجهزة الفاكس والناسوخ، وما زالت إدارات مغربية كثيرة تستعمل أجهزة الفاكس، في حين لم يستعمل البريد الإلكتروني إلا عام 1995، وتلته الرسائل الهاتفية القصيرة (الرسائل النصية) وهما الوسيلتان الأكثر استعمالا في البلاد في الوقت الراهن».

اليوم يوجد في «متحف اتصالات المغرب» أكثر من ألف قطعة من التحف، تضم ثماني تلغرافات، كل واحد منها مختلف عن الآخر ويعود إلى حقبة زمنية مختلفة، وتختلف كذلك طرق استعماله. وبالإضافة إلى التلغراف يوجد في المتحف أزيد من 30 هاتفا، من ضمنها آلات ضخمة كانت تستعمل في الاتصالات، وهي «البدّالة اليدوية» و«البدّالة الأوتوماتيكية الميكانيكية» و«البدّالة الرقمية».

وأشار دهمالي إلى أن «المتحف مفتوح للجمهور مجانا، خمسة أيام في الأسبوع، مشيرا إلى أن نسبة 76 في المائة من زوار المتحف أطفال وصبية أقل من 17 سنة». وأردف أن فكرة المتحف انبثقت عام 1996 حين بدأت مؤسسة «اتصالات المغرب» عملية جمع كل الأجهزة الاتصالاتية المتوافرة في الإدارات الحكومية، والتي ما عاد ضروريا بل عمليا استعمالها في ظل التطوّر التقني المتجسّد بالاتصال الرقمي (الديجيتال)، ورجح دهمالي أن يصبح الهاتف الجوّال المستعمل حاليا ضمن التحف الموجودة في المتحف بعد 15 سنة من الآن.

من ناحية أخرى روى دهمالي أن «الرسائل التي كان يبعث بها الحكام أو المسؤولون كانت تنقل بواسطة مبعوثين يتنقلون مشيا على الأقدام بين المدن والقرى والأسواق، وكان مبعوثون آخرون يتنقلون عبر القبائل. وكان يطلق على هؤلاء المبعوثين أسماء «الرقاص» و«الجاري» و«البرّاح»، وكان «البرّاح» ينقل رسائل شفوية تكون في الغالب إعلانا عن حالة حرب أو زيارة ملكية أو ولادة أو زفاف أو وفاة إلى غيرها من الإعلانات. وفي عام 1892 أنشئت «مؤسسة البريد» بمرسوم أصدره السلطان الحسن الأول. ثم في عام 1912 أدمجت خدمة البريد والتلغراف والتلفون في مؤسسة واحدة سُمّيت «إدارة البريد والتلغراف والتلفون»، وفي العام نفسه انضم المغرب إلى اتفاقية بطرسبرغ التلغرافية. وعام 1914 أنشئت أول مؤسسة حكومية للبريد والتلغراف والتليفون وأطلق عليها اسم «مكتب البريد والتلغراف والتليفون» بمرسوم أصدره السلطان مولاي يوسف، وخلال سنة عام 1915 أقيم أول ربط تلغرافي بحري بين الدار البيضاء المغربية ومدينة بريست الفرنسية.

الجدير بالذكر في هذا السياق أنه في عام 1793 اخترع الفرنسي كلود شاب التلغراف الهوائي وذلك في أعقاب الثورة الفرنسية، وهو ما ساعد المغرب على التعرّف على التلغراف، لكن أول شبكة اتصالات فعلية لم تر النور في المغرب إلا بعد تلك الثورة. وكان التلغراف في تلك الفترة مجهّزا بأذرع متحركة يمكن تنصيبها بـ97 موضعا مختلفا وكان لكل موضع منها معناه الخاص، الذي كان يمثل حرفا أو رقما، وكانت المسافة بين كل محطتين للتلغراف المرئي تصل إلى عشرة كيلومترات. وكان صفاء الجو وجودة الرؤية البعيدة من الأشياء الضرورية لملاحظة الإشارات التي ترسلها المحطة المجاورة. وفي تلك الفترة تطوّرت في عدة بلدان أنظمة مختلفة للتلغراف الهوائي على المنوال الفرنسي، وذلك قصد الاستعمال العسكري، وأرسلت أول برقية بنظام كلود شاب من العاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة ليل، بشمال فرنسا، عام 1793.

بعدها، في عام 1830 اخترع الأميركي صاموئيل مورس نظاما جديدا للإشارات الكهرومغناطسية، حيث كانت الإشارة القصيرة في شكل نقاط تكوّن رموزا للحروف والأرقام، وهكذا فإن حرف «إي» مثلاّ الذي يعتبر أكثر الحروف تكرارا في اللغة الإنجليزية، يرمز إليه بإشارة قصيرة أي نقطة، ورمز الحرف «تي» إشارة طويلة أي قاطعة. وكانت كل الإشارات ترسل بواسطة المفتاح التلغرافي، ثم تلتقطها الجهة المستقبلة وتكتب على شريط من الورق، كما كان من الممكن أيضا سماع هذه الإشارات بواسطة مكبّر صوت.

وعام 1855 أنجز المهندس البريطاني - الأميركي ديفيد إدوارد هيوز أول آلة تلغرافية طابعة، عوّضت نقاط ومقاطع والإشارات الكهرومغناطيسية التي استعملت في نظام مورس، وتعتمد هذه الآلة على حروف وأرقام جاهزة تطبع مباشرة من خلال لوحة مفاتيح التحكم.