سعوديات يقارعن كبرى المطابخ والمطاعم باحتراف المأكولات الشعبية

تخلين عن شهاداتهن الجامعية وامتهن الطبخ

شابة سعودية تحضر أواني خاصة لتلبية طلبات تلقتها لإحياء إحدى المناسبات (تصوير: خالد الخميس)
TT

لم ينتظرن الوظائف في المكاتب المكيّفة ولا الوعود الخاوية بالتوظيف. إنهن فتيات سعوديات شققن طريقهن بهمة وصعوبة في سوق العمل، إذ شمرن عن سواعدهن وانطلقن بجهود فردية وذاتية بسيطة، مسخرات قدراتهن الكامنة ومهاراتهن الخاصة في الطبخ.

تتلخص مشاريعهن الصغيرة في احتراف طبخ وطهو المأكولات الشعبية التي تشتهر بها المملكة العربية السعودية، مثل الأرز باللحم والقرصان والجريش، حيث يعددن أكبر الولائم، ويلبين طلبات الأفراح والمناسبات الكبرى، وينافسن أكبر المطاعم ومحال الحلويات، مستغلات حلول الإجازة الصيفية، التي تكثر فيها حفلات الزواج والأفراح. وحقا، درت عليهم هذه المشاريع أرباحا إضافية، بجانب تحقيق شهرة وصيت أكبر، وفي نهاية الحال ستنعكس على تحقيق مكاسب تغنيهن عن الوظائف التقليدية.

حصة الدوسري، جامعية سعودية، تندرج ضمن الشابات اللواتي اخترن هذه المهنة، وهي تروي لـ«الشرق الأوسط» قصتها، قائلة «تخرجت في الجامعة منذ 4 سنوات من قسم التربية الإسلامية، ولم أترك بابا إلا وطرقته لكي أحصل على وظيفة تتناسب مع شهادتي الأكاديمية. إلا أن جميع الأبواب كانت موصدة في وجهي، إلى أن جاء الفرج من حيث لا أدري. فشهرتي بين أقاربي في إجادتي للطبخات الشعبية، التي كانت هواية في بداية الأمر، سرعان ما تحولت إلى مهنة. وبدأت الطلبات تتقاطر علي لإعداد وجبات خلال الاجتماعات العائلية الموسعة». وبالفعل، أخذت سمعة حصة الطيبة في فن الطبخ تنتشر بشكل أوسع بين الأقارب والأصدقاء لتصل إليها الطلبات من أُناس لا تعرفهم، لكنهم سمعوا عنها من الأصدقاء والأحباب. وبدأت الطلبات تتوالى عليها، حتى إنها في بعض الأحيان، لا سيما خلال عطلات نهاية الأسبوع، ما عادت تجد فرصة للخروج مع عائلتها، الأمر الذي جعلها ترفض بعض الطلبات لشدة الإقبال.

لقد انفتحت طاقة الحظ لها، وباتت الشابة حصة تتقاضى عن طهو الذبيحة الواحدة مبلغا يتجاوز 250 ريالا، وأخذت تحصي ما يتناسب مع وضعها المالي، من حيث تمكنها من طهو 16 طلبا إلى 30 خلال الشهر، وبات الأمر هنا مناسبا لها من حيث الدخل واحتراف مهنة بعيدة تماما عن شهادتها الجامعية التي أمضت في مشوار الحصول عليها قرابة 5 سنوات من عمرها.

أما «الشيف» هيا التميمي - كما تحب أن تُلقب في أوساط صديقاتها - فهي شابة أخرى سارت في هذا الطريق. وهي تقول «يكفيني من هذه المهنة أنها قضت على أوقات الفراغ التي كنت أعاني منها منذ تخرجي في الثانوية قبل 6 سنوات. عندما عرضت علي زميلتي حصة مساعدتها في إعداد الوجبات الشعبية الكبيرة ترددت في البداية، لتخوفي من الوقوع في الإحراج أو فشلي في تحمل رد الفعل السلبي الذي قد تتمخض عنه الفكرة، إلا أن تشجيع الأهل وثقتي في قدراتي كطاهية، ساعداني في تجاوز المصاعب، وكسب شريحة كبيرة من (الذوّيقة) الذين يفضلون تناول الطعام الذي أعده بنفسي».

وحول منافستهن المطاعم تقول هيا «نحن ننافس، وبشكل جدي، المطاعم والمطابخ الكبرى مع اختلاف القدرات. إلا أن ما يميزنا عن غيرنا هو أننا نعمل بدافع حب المهنة، بعكس المطاعم التي أنشئت من أجل الكسب المادي. هذا جانب يلمسه زبائننا عند التذوق.. المهنة عندنا تحولت من هواية إلى عمل يدر علينا أرباحا مجزية، تتجاوز 9 آلاف ريال شهريا، من دون احتساب الزيادة مع العطلات الرسمية».

في الواقع المهنة قادت بعض الفتيات لرفض أعمال ربما كن يسعين لها في مقتبل العمر، إلا أنهن حاليا ما عدن راغبات في العمل بأي جهة أخرى غير المطبخ، الذي رفع من ميزانيتهن الخاصة، وبتن يقارعن به من حيث الدخل - حسب زعمهن - أفضل الوظائف التي يمكن أن تحلم بها المرأة.

وفي صلب الموضوع، أكدت سارة الشعثان، المتخصصة في إعداد وجبات الحاشي (أي متخصصة في طهو لحوم الإبل المشهورة في السعودية والخليج)، لـ«الشرق الأوسط»، أنها لا تعمل في طهو أي نوع آخر من البهائم غير الحاشي، الذي تنفرد به عن غيرها من زميلات المهنة، مضيفة «طبخ لحوم الحاشي يحتاج إلى قدرات خاصة ومهارة عالية، لصعوبة طهو لحوم الإبل عن غيرها من البهائم، نظرا لقلة عدد من يذبحها في أوقات الولائم والمناسبات ومحدودية شيوع أمر طهوها بين الطاهيات الأخريات».

وتضيف الشعثان «تعلمت الطهو من والدي الذي نقل إلي هذه المهنة التي كان يتميز بها هو الآخر، لكنني وصلت إلى درجة كبيرة من الاحترافية، حتى غدوت أطهو العديد من الحواشي في آن واحد ولمناسبات متعددة». وأردفت «سعر طهو الجمل الواحد يتجاوز 800 ريال، تزيد بحسب حجمه، في حين يبلغ معدل ما يتم طهوه شهريا نحو 11 حاشيا، ويرتفع العدد عند حلول المناسبات والأعياد».