كنايات ملونة وعبارات مزخرفة يستخدمها اللبنانيون في أحاديثهم

أشهرها «بتمون» و «تقبرني» و «قلبه أبيض» و «إيده خضرا»

TT

لا تخلو اللهجة المحكية اللبنانية من عبارات وتعابير تميزها عن غيرها من لهجات شعوب الدول العربية المحيطة بها حيث تلفت السمع وتشكل لها خصوصية يتبارز من يزور لبنان من مصريين أو تونسيين أو خليجيين على تعلمها وإجادتها لكونها تملك رنة لغوية تدل مباشرة على هذا البلد الذي يجذب زواره بكل التفاصيل الحياتية التي تغمره.

«تقبرني».. «حبيب قلبي».. «ع راسي».. «بتمون».. وغيرها هي من العبارات الشهيرة التي يتلفظ بها اللبناني يوميا في أحاديثه حيث تشكل محط كلام لديه يستعمله لا شعوريا وكأنه ولد معه. إلا أن عبارات من نوع آخر لها علاقة مباشرة بالألوان وبأعضاء الجسم، بالتحديد، يستخدمها اللبنانيون في كلامهم لوصف شخص يعرفونه. فيقولون عنه هذه الجملة أو تلك للإشارة إلى شخصيته أو نياته مع إرفاقها بلون ما يكون بمثابة كناية لتليين موقف أو حالة أو للإشارة إلى عيب ما يعاني منه هذا الشخص فيصفونه مستعينين بلون معين ليأتي المعنى مبطنا لا يفهمه إلا من يجيد لغة الألوان في لبنان، فيصح فيه المثل اللبناني القائل «المعنى بقلب الشاعر».

وتنتشر بعض هذه الكنايات أيضا في الدول العربية عامة فنسمعها في المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي تنقل واقع المجتمع اللغوي فيها، ومنها ما يشير إلى الحزن أو الفرح أو أي حالة نفسية أخرى.

«إيده خضرا».. «عينه بيضا».. «قلبه اسود».. هي بعض المصطلحات اللغوية التي نرددها ونعبر بها مثلا عمن يجيد الزراعة إذ ينجح بغرس أي نبتة في الأرض فتعطي ثمارها، أو عن شخص يحدق النظر بطريقة وقحة الأمر الذي يسبب إزعاجا للمنظور إليه فيتلبك أو يسقط أرضا من جراء نظر ذلك الشخص إليه وكأن عينا أصابته، أو آخر حول الحزن فيه أو روح الانتقام لديه قلبه النابض إلى ظلمة حالكة لا تدفعه إلا إلى التفكير بطريقة سوداء. أما الشخص ذو النية الطيبة الصافية فيكنى عنه بأن «قلبه أبيض» ولا يملك أي خلفية فكرية ممكن أن تؤذي أحدهم.

وعندما يقول اللبناني لشخص ما «لماذا وجهك أصفر؟» فهذا يعني أن الآخر خائف أو مريض أو ينوي التسبب في مشكلة ما. وعادة ما يقصد اللبنانيون عند قولهم لأحدهم إن «عظمه أزرق» أنه عنيد أو خبيث وحقود لا ينسى الأذية التي سببها له أحدهم، بينما يوصف المتحدرون من سلالات حاكمة أو إقطاعية أرستقراطية بأنهم أصحاب «الدم الأزرق».

وتوضح الاختصاصية النفسية أنيسة الأمين، أن اللغة تؤسس لكل شيء وأننا عندما نستخدم هذا النوع من العبارات نحاول استعمال استعارات لغوية للتخفيف من وطأة الكلمة القاسية فيما لو قلناها كما هي. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ليس اللبناني فقط الذي يلجأ إلى الألوان لوصف شخص أو حالة ما فهناك شعوب عربية أخرى تستخدمها ولا سيما المصريين، ثم إن الألوان بحد ذاتها تنبع من الطبيعة التي تشكل الإضافة الأولى للإنسان التي يتأثر بها بصورة بديهية وكوننا نهرب عادة من حالات المرض والخوف والموت فإننا نستعمل لغة الألوان لنهرب أيضا من واقع لا نرغب فيه»، وتؤكد الاختصاصية النفسية أنه لطالما ارتكزت اللغة القديمة على الرموز وهي أقدم لغة تداولها البشر منذ القدم وأنه كلما ابتعدنا عن النصوص الأصلية يصب كلامنا في خانة اللغة المحكية وهي اللغة الفعلية التي نتحدث بها.

وترى الدكتورة الأمين أن هذه الاستعارات تدخل أيضا في السياسة وتستعمل للهروب من حالات القمع، وتقول: «أحيانا نستعمل الألوان للإشارة إلى حزب معين دون ذكر اسمه فنبسط الأشياء ونتولى زمام الأمور بلفظ اللون حتى لا نصطدم بردة فعل سلبية من قبل الشخص الذي نتحدث إليه».

ويأتي الأخضر في مقدمة الألوان التي ترافق غالبية هذه الاصطلاحات والتي تصب معانيها في الخانة الإيجابية فيقال عن شخص ما «قدمه خضراء» أي إنها تجر الخير وراءه، أو «نفسه خضراء» أي ما يزال يتمتع بروح الشباب رغم تقدمه بالسن، أو «لسانه أخضر»، مما يعني أن صاحبه يجيد الكلام أو كما يقولون باللبنانية «شاطر بالحكي».

إيفلين عون، الاختصاصية بعلوم الطبيعة والتغذية، قالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إننا جميعا نتأثر باللون في حياتنا اليومية وبصورة خاصة بطريقة العيش وتناول الطعام، وإن هذه العبارات المستمدة من الطبيعة والصحة بشكل عام تسهل علينا التعبير بطريقة بسيطة لا تتطلب التفسير أو الشرح لكونها تدل مباشرة على المعنى الذي نقصده»، وتضيف: «كلنا نعلم أن الأسود الذي يجمع كل الألوان مع بعضها يعني السلبية، بينما الأبيض يعني الصفاء، أما الأخضر فيعيد الأمل ويرمز إلى الحياة، والأزرق يدل على الهدوء والسكينة، والأصفر يشير إلى نقص أو مرض، والأحمر يعبر عن الهيجان. ولذلك نقول مثلا (عيني محمرّة) من هذا الشخص، أي إني أحقد عليه في مسألة ما ويسبب لي العصبية».

وأردفت أن عالم الألوان واسع وهو علم بحد ذاته يحيط بنا ونتعايش معه بصورة بديهية لكونه منبثقا من الطبيعة التي نعيش في قلبها.