تونس: حراسة السيارات بعد الثورة.. بين الحماية والفساد

الحاج عبد الكريم «عدوّ» اللصوص رغم تقدمه في السن

الحاج عبد الكريم.. حارس سيارات («الشرق الأوسط»)
TT

يقول كثيرون في تونس إن الثورة التونسية لم تقضِ على النظام القديم، بل على رأسه فقط. وهذا ما يفسر، كما يقول هؤلاء، بعض مظاهر الانفلات في أنحاء كثيرة من البلاد. وقد انعكس هذا الواقع الأمني على مواقف السيارات، حتى وإن كانت الأماكن غير مخصصة لذلك. ويذهب هؤلاء إلى القول إن بعض البلديات منذ ما قبل الثورة عملت على ضرب قطاع السياحة في مناطق وسط البلاد من خلال تأجير الأماكن التي كانت مخصصة لركن الحافلات السياحية لعصابات الجريمة المنظمة التي لا يعرف لها هوية، ووضعت على جمع الإتاوات من المواطنين أشخاص من ذوي السوابق.

ليس هذا فحسب، بل إن البعض يعمل على استئجار منحرفين لسرقة السيارات التي يرفض أصحابها دفع إتاوات ويركنون سياراتهم بعيدا عن تلك المواقف.

قصص كثيرة عن سرقة سيارات وشاحنات بعضها في وضح النهار، جرى إنزال أصحابها وأخذها عنوة، وهناك «أماكن كثيرة في البلاد تبيع قطع غيار السيارات المستعملة ولا أحد يسألها عن المصدر»، كما قال لنا أحدهم.

ولكن الحالة ليست سوداوية تماما، ففي المكان الذي قيل إن أحد المنحرفين تسبب في إجهاض امرأة وخلع كتفها بمدينة سوسة الساحلية أثناء محاولته افتكاك حقيبتها، يقف الحاج عبد الكريم بن بلقاسم بن إبراهيم حراس (70 سنة) متطوعا لحراسة السيارات، ولا يطلب من أحد أي مبلغ مالي إلا ما يتكرّم ويتفضل به البعض عليه، وأحيانا يكون أضعاف ما يدفع لمواقف السيارات، ولكن هنا يدفع المال عن طيب خاطر ورغبة في مساعدة شيخ كبير أراد مساعدة الناس.

الحاج عبد الكريم بدأ عمله في موقف السيارات التابع للبلدية منذ 4 سنوات، كما أخبرنا، إلا أن الحاجة إليه ولأمثاله أصبحت أكيدة. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قال الحاج عبد الكريم: «لدي 11 سنة في مدينة سوسة، فأنا أصلا من بلدة الوسلاتية بولاية (محافظة) القيروان، وقد قدمت إلى هنا بحثا عن مورد رزق لأن العمل متوفر بشكل أفضل من القيروان، وكثرة من القيروانيين يلجأون إلى منطقة الساحل بحثا عن العمل». وتابع: «فكّرت في العمل في حراسة السيارات قبل 4 سنوات للتخلّص من السأم الذي يشعر به المسن، مثلي، وفي الوقت ذاته مساعدة الناس على الاحتفاظ بممتلكاتهم، وتحديدا السيارات التي يوقفها أصحابها في هذا المكان ويذهبون لقضاء حوائجهم سواء كانوا من سوسة أو من مناطق وولايات أخرى».

ويؤكد الحاج عبد الكريم أنه لا يطلب أي مبلغ ممن يستأمنه على سيارته، والأمر متروك لصاحب السيارة. وهو رغم تقدمه في السن يتمتع، كعامل بناء سابق، ببنية قوية مكنته من وقف منحرفين وحجزهم إلى حين قدوم عناصر الشرطة. وشرح: «كان أحدهم قد شرع في كسر زجاج إحدى السيارات عندما أخذت بتلابيبه محتجا على تكسير الزجاج، فردّ علي أن السيارة سيارته، فقلت له متى كان الناس يكسرون زجاج سياراتهم؟ ولقد كان مخمورا، ولم أتركه حتى قدمت الشرطة».

للحاج عدة أبناء لكنهم، كما أوضح، «مشغولون بأنفسهم. لدي بنتان متزوجتان، وأربعة أبناء، أحدهم يعمل ميكانيكيا، والآخر يعمل في محل لبيع المرطبات، والابن الثالث لا يزال طالبا في الثانوية العامة، والرابع من ذوي الاحتياجات الخاصة». ورغم السنوات الكثيرة التي أمضاها عاملا في مجال البناء فإن الحاج عبد الكريم لا يملك بيتا، بل يعيش بدفع الإيجار (160 دينارا). وعما يجمعه يوميا من حراسة السيارات أفاد بأنه يحصل على ما بين 10 دنانير و15 دينارا يومي السبت والأحد، بينما يرتفع هذا المبلغ إلى 15 دينارا يوم الجمعة، وفي سائر الأيام لا يتجاوز ما يحصل عليه خمسة دنانير، رغم أنه يقضي اليوم بأكمله في ذلك المكان حيث يصلي الصلوات الخمس. وعمّا إذا كان لديه أمنية يرغب في تحقيقها أجاب بأنه يرغب في زيارة الأراضي المقدسة مرة أخرى، وأن يعود الضال من أبنائه إلى الطريق المستقيم.