حديقة جامعة الدول العربية في الدار البيضاء أم الحدائق المغربية

مشروع لإعادة تنظيم الحديقة التي سادها الإهمال

جانب من حديقة الجامعة العربية في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

حال «حديقة جامعة الدول العربية» في الدار البيضاء، على الرغم من الإهمال الذي طالها في السنوات الأخيرة، أفضل بكثير من حال الدول العربية.

على الرغم من أن حاضر الحديقة ليس مثل ماضيها، وتاريخها غاب من ذاكرة زوارها، فإن هناك من يرى أنها تحتاج إلى من يضخ فيها الجديد، رغم أن واقعها لا يزال عشبا وأشجارا وبساتين وشجيرات في جميع الاتجاهات. عشبها يرتاده الشباب، وأماكنها يأتي إليها كثيرون، لكن العجب أن يزورها «من لا يعرف حسبها ونسبها» كما يقول أحد عشاقها. على يمينها حديقة الألعاب «ياسمينة»، ويجاورها على مقربة «القلب المقدس» وهو ترجمة إلى العربية لاسم الكنيسة الكاثوليكية «ساكري كور»، التي لم يعد يأتي إليها مصلون، لكن أصبحت مركزا ثقافيا محافظة على رونقها الأوروبي المتميز، وبمحاذاتها الفضاء الرياضي «كازابلانكيز» الذي أنجب أبطالا مثل العداءة المغربية نوال المتوكل التي أصبحت أول امرأة عربية وأفريقية تحصل على ميدالية ذهبية. في الألعاب الأولمبية، وأول أولمبية تتولى الوزارة.

تعد «حديقة الجامعة العربية» أقدم حديقة في الدار البيضاء وأكبرها، يعود تاريخ إنشائها إلى البدايات الأولى للقرن الماضي، حينما صممت من طرف المهندس الفرنسي ألبير لابراد، عام 1913، لينطبق تصميمها مع حدائق باريس الجميلة بتوافق قياساتها وشكلها المنظم، تعد مساحتها الخضراء التي زرعت عام 1918 فريدة وواحدة من أفضل المتنزهات في الدار البيضاء، تبلغ مساحتها أزيد من 30 هكتارا، واستبدل اسمها إلى «حديقة الجامعة العربية» بعد أن كان اسمها في البداية «حديقة ليوطي» نسبة إلى الجنرال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب حكم البلاد التي أصبحت خاضعة للانتداب الفرنسي من عام 1912 إلى عام 1925، حيث اهتم باستكمال السيطرة على المغرب وإعداده لاستغلال خيراته لصالح فرنسا والفرنسيين المقيمين في المغرب، وفي فترة الحماية الفرنسية كانت الحديقة متنزها للمقيمين الفرنسيين يزورونها من أجل لحظات الراحة والهدوء، بيد أن موقعها الجغرافي في قلب الدار البيضاء وقربها من أماكن العبادة كان يسمح للفرنسيين بزيارتها بشكل متواصل وقضاء أكبر وقت فيها.

في الحديقة مظاهر لم تلتئم وصور مبعثرة من الحياة اليومية تدخل في شجار مع الطبيعة، تنتصب فيها أشجار النخيل الباسقة والمظللة على ربوعها، وترتدي بعض بقعها اللونين الأخضر والأصفر، وتبدو لمن يجيل بصره إليها ألوانا في لوحة تشكيلية سادها العبث، في الحديقة أماكن ترفيهية وشرفات المقاهي، تنتشر في فضائها محلات تجارية وأخرى مفروشات لباعة متجولين، في مساحات متفرقة من يركن سيارته ومن يمارس الجري ومن يرمي الكرة الحديدية ومن يلعب كرة القدم، ومنهم من اختار بستانها مرتعا ليسمع ترانيم صوته وتقاسيم آلاته الموسيقية، بين الأشجار تجد متسكعين كهولا وشبابا، منهم من يدخن بشراهة، وآخرون يتعاطون «الممنوعات»، وترى بين ظلال أشجارها زوجان من الشباب. في حديقة الجامعة العربية هواء منعش من زفير الطبيعة، وفيها أيضا أجواء رومانسية.

يقول عبد العظيم وهو رجل في عقده الستين، يهوى لعب الكرة الحديدية بأحد الأركان الجافة في حديقة الجامعة العربية، بحسرة وألم يصف ماضي الحديقة التي كانت مجمع الأسر والعائلات للتنزه والراحة مع أبنائهم وذويهم، ويقول «إن معظم الذين يزورون الحديقة لا يعلمون تاريخها أو ما كانت عليه في الماضي، فما زلت أتذكر أن كل شجرة هنا تحمل بطاقة تقنية لها، وأن مصممها أتى لزيارتها مؤخرا وتألم كثيرا لشدة ما آلت إليه حالها». وأضاف عبد العظيم، أصبحت الحديقة ملاذا للصوص والمتشردين من مختلف المدن، ولم تعد تنعم بالهدوء أو الراحة بل خيم عليها الصخب والضوضاء وأصابها الإهمال.

ومن جهته يصف الحسين، وهو أستاذ للغة العربية استقر في الدار البيضاء قادما من جنوب المغرب، الحديقة قائلا «إن الشباب الذين يزورون هذه الحديقة ومنهم عدد كبير ممن يتغيبون أو يهربون من فصولهم الدراسية، يأتون إليها ويمارسون أحيانا ممارسات غير مقبولة»، ووصف حالهم مبتسما بخفة، بأنه «حال منصوب وفاعل مرفوع عليه القلم»، فهم لا يدركون قيمة هذه الحديقة فيتبجحون بالاعتداء على حرمتها، ويكون سلوكهم وأنشطتهم غير ملائمة في كثير من الأحيان، ولا تحفظ للحديقة طابعها الجميل.

في الآونة الأخيرة أشارت مصادر يعتد بها إلى أن مسألة إعادة تنظيم وهيكلة حديقة الجامعة العربية وتوسيع فضائها باتت قريبة جدا، وذلك باسترجاع بعض المساحات التي كانت جزءا منها وتم الاستيلاء عليها بطرق مخالفة للقانون، وإدخال تعديلات من أجل ربط الأحياء القديمة والجديدة للمدينة عبر إزالة المباني التي تخفي الحديقة من جانب شارع إبراهيم الروداني، ويأتي هذا المشروع في سياق إعادة هيكلة وتجهيز الحديقة، إلا أن ذلك المشروع تضاربت الآراء حول الاتفاق على تصميمه وحجم تعديلاته من جهة، وحول تاريخ خروجه إلى الوجود ليعيد للحديقة بريقها وتوهجها الذي افتقدته منذ أيام اليوطي، ويزيح غبار الفوضى ويوقف زحف العمران الذي بات يتداخل مزاحما مساحاتها الخضراء وأشجارها الباسقة.

وإلى حين ذلك تبقى حديقة الجامعة العربية في الدار البيضاء حديقة تاريخية في هذه المدينة التي تعج بالبشر والبنايات، وهي تنتظر أن يعاد لها بريقها الأول وتاريخها حيث كانت تعتبر أكبر وأجمل حديقة في المغرب.