درب «أبا القد».. من معبر للجمال إلى طريق حديث يربط الرياض بالحجاز

أنشئ قبل 1400 عام مخترقا «جبال طويق» الشاهقة وآثاره تعود إلى 5000 سنة

درب أبا القد
TT

تحول الطريق القديم المعروف باسم «أبا القد» من معبر للجمال إلى طريق حديث يربط العاصمة السعودية بالحجاز، يقع في ثنايا جبال طويق الشاهقة ذات الحصانة والمنعة لمدينة الرياض.

واعتبر مختصون وباحثون في الآثار السعودية، أن درب «أبا القد» غرب العاصمة، من أهم الطرق التي كانت تسلكه قديما القوافل القادمة إلى مدينة الرياض من جهتها الغربية.

وأوضح محمد الحمود، الباحث والخبير في شؤون الآثار، أن طريق «أبا القد» المعروف حاليا بـ«القدية» من أهم المعالم الأثرية في المنطقة، ويعتقد أن بداية إنشائه تعود لبدايات العصر الإسلامي الأول قبل 1400 عام، ومر بعدد من مراحل التجديد والترميم كان آخرها في عهد الملك عبد العزيز.

وأشار الحمود إلى أن ذلك يعكس الأهمية التاريخية لهذه المنطقة التي تتميز بمحاذاتها لـ«جبال طويق»، التي تحوي الكثير من الآثار التي تعود إلى أكثر من 5000 عام، التي ورد ذكرها في عدد من الكتب والمراجع القديمة، ومنها الأبراج والدروب الأثرية.

وعن هذا الدرب يقول الحمود: «تتميز مدينة الرياض (حجر سابقا)، بأهميتها التاريخية وعلاقاتها المتعددة مع البلدان الأخرى، مما جعلها مركزا حيويا مهما تفد إليها القوافل من شتى بقاع الأرض المعمورة».

وذكر الحمود، أن الطريق قد استخدم قديما وتعطل في فترات متأخرة، مشيرا إلى أن الطريق جُدد في عهد الملك عبد العزيز عام 1936م، واستغرق في بنائه 40 يوما، مضيفا أن الفترة الزمنية لصعود هذا الطريق ثلث ساعة، وكانت المدة التي يقطعها المسافر على الراحلة من أبا القد إلى الرياض تستغرق زهاء 6 ساعات.

وأضاف: «عند مشاهدة هذا الطريق من أعلى قمم سلسلة جبال طويق، يصاب المتمعن فيه بالدهشة والاستغراب، لأنه يرى نموذجا حيا لروعة البناء ورونقه في الجمال، فقد شق الطريق عبر ثنايا جبال طويق، وذللت فيه الصخور الضخمة بطريق يصل طوله إلى 1000 متر، واستخدمت في بنائه الحجارة الكبيرة المهذبة، ووضعت المنعطفات لتسهيل منسوب الصعود والنزول بطريقة مريحة».

وزاد: «بنيت على جوانب الطريق حوائط قصيرة لحماية قوافل الجمال من السقوط، أما أرضية الطريق فقد رصفت بالحجارة المنبسطة على شكل مساطب مدرجة، إضافة إلى وجود استراحات جانبية وفتحات لتصريف مياه السيول».

ويواصل الحمود حديثه عن درب أبا القد: «قد قمت بمواصلة وتتبع هذا الطريق حتى مدينة الرياض، حسبما أشار إليه كبار السن، فوجدت أنه يتصل بطريق آخر مرصوف يعلو إحدى الهضاب، ومن ثم يصل إلى برج قديم يعرف باسم (برج الحمراء)، وهو علامة إرشادية لمعرفة الطريق، ثم تابعت الطريق حيث يصل إلى ظهرة نمار، ومن ثم ظهرة البديعة، ثم يتجه الطريق إلى ريع يعرف بـ(ريع السكن) الذي ينزل إلى شعيب غذوانة، ومن ثم وادي حنيفة ثم مدينة الرياض، عبر حي القرى القديم».

وأشار الباحث والخبير في شؤون الآثار، إلى أن آثار المنطقة لا تقتصر على الدروب الأثرية، بل هناك آثار أخرى، منها شواهد أثرية تعود إلى 5000 سنة، وهي المباني الدائرية والمذيلات التي لا يعرف حتى الآن الهدف من إنشائها.

حيث تكثر المذيلات الواقعة على قسم الجبال وسفوح الأودية والهضاب، ونجدها عادة بجوار المباني الدائرية، وهي عبارة عن أبنية شريطية أو مذيلة مبنية من الحجارة، تتراوح أطوالها من 3 إلى 80 مترا مربعا تقريبا، تنتهي برأس مثلث صغير، ويصل عرض المذيل إلى المتر، بينما ارتفاعه يصل إلى 80 سنتيمترا، ويتجه المذيل في كثير من الأحيان إلى اتجاهاته الأصلية من الشمال إلى الجنوب، أو من الشرق إلى الغرب.

وتوجد تلك المذيلات على ضفاف جبال طويق قريبا من قصور المقبل، وقد عثر بقرب بعض هذه المذيلات على أدوات حجرية تعود إلى أكثر من 5000 سنة، مما يدل على العمق الاستيطاني للمنطقة، وعلى البيئة المعيشية الصالحة للإنسان منذ ذلك الزمن البعيد.

وقال الحمود: «عندما نسأل أنفسنا ما هي المذيلات؟ وما علاقتها بالمباني الدائرية؟ وما وظيفتها؟ نجد أن الإجابة لغز حير الكثير من أولي الاختصاص».

وقدم الحمود بعض النقاط لمعرفة الغرض من إنشائها لتكون حلولا مطروحة للنقاش من واقع المشاهدة، تتمثل في معرفة الجهات الأصلية أو طقوس دينية قديمة، واعتبارها أحيانا حرزا من الشياطين، أو مدافن وعلامات جنائزية، أو علامات وحدودا قبلية.

وزاد الخبير والباحث في شؤون الآثار، أن المباني الدائرية، كغيرها من المذيلات، امتازت بها المنطقة، حيث نجد أن المباني الدائرية تنتشر بكثافة كبيرة على قمم جبال طويق وسفوح الأودية والهضاب، متفرقة وأحيانا متجاورة، وهي في الغالب عبارة عن مبان دائرية الشكل، مبنية من الحجارة، يتراوح قطرها من مترين إلى 35 مترا، وتصل سماكة حائطها إلى المتر، بارتفاع يصل إلى طول قامة الإنسان.

وهذه المباني الدائرية حتى الآن لم يجزم أحد بوظيفتها والغرض من إنشائها، واختلاف أشكالها وتنوعها يجعلها تتميز باختلاف وظائفها.

ولذلك من المحتمل أن الكثير منها، خاصة ما تمتاز به تلك المباني من سمات مميزة، كان بغرض السكن لإنسان العصر الحجري، لا سيما إذا علمنا أن المنطقة كانت منذ آلاف السنين تنتشر فيها الغابات.