«برج المنوفية».. نزهة ريفية يجملها طعم الفطير «المشلتت»

عمره 50 سنة.. ومن زواره ملوك ورؤساء وساسة بارزون

TT

قبل نصف قرن، كان «برج المنوفية» مكانا يقصده المصريون والسياح والأمراء العرب ومشاهير المجتمع المصري، باعتباره أشهر مكان في مصر متخصص في تقديم الفطير «المشلتت»، تلك الوجبة المصرية الريفية، وما يصاحبها من مفردات ريفية أخرى، تفتح الشهية، وتجعل الأكل متعة مغرية.

على «الطريق الزراعي» السريع الذي يربط العاصمة المصرية القاهرة بمدينة الإسكندرية، وعلى بعد نحو 57 كيلومترا تقريبا من شمال القاهرة، حيث تقع مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، يمكن لزائر للبرج أن يتوقف لكي يتذوق الفطير ذا الطعم المميز والرائحة الزكية.

«برج المنوفية» عبارة عن استراحة ومطعم سياحي يعود اسمه لـ«برج الحمام» الذي يعلو البناء، وهو أيضا رمز وشعار المحافظة. ويشتهر البرج بتقديم الوجبات الريفية بشكل عام، وعلى رأسها الفطير «المشلتت» ومستلزماته من عسل النحل الطبيعي والعسل الأسود و«المش» والجبن القديم، كذلك يشتهر البرج بتقديم الحمام المشوي والمحشو، فضلا عن مختلف أصناف الأطعمة الطازجة والمشروبات.

يعود تاريخ تشييد البرج إلى بداية ستينات القرن الماضي، وكان قد شيد بقرار من محافظ المنوفية (يومذاك) الدكتور محمد متولي، ليكون استراحة للمسافرين على «الطريق الزراعي»، ومنذ ذلك التاريخ غدا من أشهر معالم المحافظة.

يقول العم فوزي، أقدم نادل في البرج: «بعد سنوات قليلة من افتتاح برج المنوفية، أجريت عليه عمليات توسيع ليمتد على مساحة أربعة أفدنة، إذ أضيفت إليه حديقة وأقيمت بحيرة صناعية للبجع والبط، ودعم ببعض ألعاب الأطفال، وبذا صار البرج متنزها متكاملا».

ويتذكر الرجل الستيني، صاحب البشرة السمراء، أنه عبر السنين جاء كثيرون إلى البرج خصيصا لتذوق الفطير، بينهم ملوك وأمراء ووزراء وسياح العرب، إلى جانب عدد كبير بالطبع من مشاهير المجتمع المصري، بينهم الشيخ محمد متولي الشعراوي وشيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، وعدد كبير أيضا من الساسة من رجال نظام الرئيس السابق حسني مبارك، مثل أحمد فتحي سرور وصفوت الشريف (رئيسي مجلسي الشعب والشورى السابقين)، وكذلك النائب والوزير الراحل كمال الشاذلي، الذي كان دائم التردد على البرج، لا سيما أنه ينتمي إلى محافظة المنوفية. وأشار إلى وجود دفتر زيارات للبرج يحتوي على تواقيع كل هذه الشخصيات وغيرها الكثير.

أيضا يتذكر العم فوزي أنه كان يُعَد للرئيس المصري السابق الراحل محمد أنور السادات، الفطير خصيصا داخل البرج، ثم ينقل إليه في منزله بمسقط رأسه قرية ميت أبو الكوم، التي تقع هي الأخرى في محافظة المنوفية. ويشرح هنا أقدم العاملين أنه يجري خبز الفطير داخل أفران بلدية متخصصة، داخل البرج، يُصار إلى إشعال الحطب والأخشاب المجففة فيها.. «وتتولى عمليتي إعداد العجين والخبز سيدات ريفيات ماهرات، إذ يتطلب الفطير خبرة لإنضاجه».

من ناحية ثانية، استردت المحافظة قبل أسابيع قليلة «برج المنوفية» إثر فاصل طويل من الأحكام القضائية، بعدما كان مؤجرا لإحدى الشركات الخاصة لإدارته، وبالتالي حصلت الآن سلطات المحافظة على حقوق ملكيته وإدارته بشكل يحقق بقاء هذا الصرح السياحي ويفتح الطريق لتطويره، لا سيما بعد تشكيل لجنة متخصصة بتكليف من المحافظ، المستشار أشرف هلال، لإدارة شؤون البرج تضم في عضويتها أساتذة من كلية الاقتصاد المنزلي وكلية الزراعة بجامعة المنوفية. عصام عبد الله، مدير مشروع «برج المنوفية» السياحي، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «هناك خطة فعالة للنهوض بالبرج وتطويره وتدعيمه بخدمات ترفيهية جديدة لجذب مزيد من الزائرين إليه، كما سيعد برنامج زمني لتشجيع السياحة الداخلية إليه، خاصة رحلات المدارس والمراكز الشبابية». وتابع أن التطوير يشمل تجهيز منطقة ألعاب للأطفال بجوار البرج، بالإضافة إلى إنشاء فندق مجاور للبرج يضم قاعات مزودة بأحدث الأجهزة وأنظمة الصوتيات لاستضافة المؤتمرات والندوات.

وبحسب عبد الله، تهدف خطة تطوير «برج المنوفية»، المصنف سياحيا بـ«أربع نجوم»، إلى تحويله إلى «نموذج مصغر للقرية الريفية من خلال إضافة مفردات مستوحاة من البيئة الشعبية، مثل وجود الأفران البلدية والمصاطب وبركة مائية وأبراج للحمام والمساحات الخضراء، بما يعني توافر خدمات متميزة للزائرين، وهو ما سيضفي على البرج قيمة جمالية عالية، يكون لها دورها في الجذب السياحي لمن تروق له البيئة الريفية».

ويضيف: «كذلك تتضمن خطة تطوير البرج إقامة منطقة معارض دائمة بجواره لعرض منتجات المشاريع الصغيرة والصناعات الحرفية التي تشتهر بها المحافظة، إلى جانب منتجات منطقة قويسنا الصناعية، ويهدف هذا المعرض إلى الحفاظ على الصناعات اليدوية والعمل على التواصل بين الفنانين والصناع اليدويين والجمهور، والإفادة من إمكانات تطوير هذه الصناعات، ذلك أن المنوفية تضم صناعات كثيرة تشتهر بها القرى، كصناعة الفخار في قرية جريس، والسجاد والكليم اليدوي في قرية ساقية أبو شعره، وتطعيم الأخشاب بالصدف في قرية ساقية المنقدي».

ويستطرد مدير المشروع قائلا: «وبجانب أن المعرض سيكون فرصة للجمع بين الفنانين والحرفيين والزائرين، وإيجاد عائد مادي لهؤلاء الحرفيين بما يمكنهم من الاستمرار في عملهم وتستمر معهم حرفهم، سيساعد تطوير (برج المنوفية) في حل مشكلة البطالة داخل المحافظة، خاصة أنه لن يشمل الاستغناء عن أي عامل من العاملين في البرج حاليا، والبالغ عددهم 150 عاملا وعاملة»، ثم يختتم مشيرا إلى وجود لجنة «ستستقبل المقترحات والأفكار الجديدة للنهوض بالبرج وتطويره لكي يحقق أعلى الإيرادات، التي ستعود، بلا شك، على الخدمات المقدمة فيه».