رئيس الملاحظين في مسجد عمر مكرم.. يعتبر نفسه حارس «ثورة 25 يناير» المصرية

الشيخ عبد الفتاح: آوينا الثوار ولم نفرق بين مسلم ومسيحي

الشيخ عبد الفتاح.. ملاحظ مسجد عمر مكرم و«حارس الثورة» («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كان ميدان التحرير، في قلب العاصمة المصرية القاهرة، مسرح عمليات ثورة 25 يناير، فإن ثوار الميدان اعتبروا مسجد عمر مكرم، الذي يطل عليه هو «مجلس قيادة الثورة»، أما الرجل الأربعيني الذي يجلس لحراسته فيصف نفسه بـ«حارس الثورة».

عبد الفتاح عبد المعزّ، رئيس الملاحظين في مسجد عمر مكرم، المكلف بتأمينه كوظيفة رسمية تتبع وزارة الأوقاف، وظيفته غير الرسمية هي حماية أحذية المصلين وأمتعتهم وقت الصلوات، ولكن طيلة 18 يوما كانت وظيفته «الثورية» حماية الثوار داخل المسجد، وتذليل كل الصعاب أمامهم لكي يواصلوا مهمتهم.

يوميات الثوار، يحملها الشيخ عبد الفتاح - كما يلقبه من حوله - في ذاكرته، وهو إذا تحدث عنها، تفوح منها رائحة الوطنية الممزوجة بالفخر بدوره الثوري، الذي لا يقل عن دور أي ثائر أجبر الرئيس السابق حسني مبارك على الاستقالة.

يقول الشيخ، وفي خلفيته أرفف حفظ الأحذية خوفا من تعرضها للسرقة: «المسجد استقبل المتظاهرين بأعداد كبيرة، وكان دوري إزالة أي عوائق أمامهم، سواء في دورات المياه أو أعطال الكهرباء. لم أذهب إلى منزلي طوال 18 يوما، بل كنت مع زملائي الخمسة ملتزمين بعملنا، نقسم العمل على مدار النهار والليل، ولقد شكّلنا ورديات - أي مناوبات - عمل بيننا لخدمة المتظاهرين والحفاظ على المكان».

يعمل الرجل منذ 10 سنوات في المسجد الشهير في قلب القاهرة. وهو يبدأ مهامه قبل صلاة الظهر ويظل يعمل إلى ما بعد صلاة العشاء، غير أن راتبه نظير ذلك لا يتعدى 350 جنيها (أقل من 60 دولارا أميركيا)، مما يجعله تحت خط الفقر، في بلد تبلغ نسبة الفقر فيه41 في المائة حسب «تقرير التنمية البشرية بالوطن العربي لعام 2010». لذا كانت الثورة ملاذا له. وهنا يقول «ساعدت الثوار تطوّعا، فهم مثل إخوتي ومن الصعب أن نغلق الباب في وجوههم. كانوا يطالبون بحقوق الغلابة، حتى ينتهي الظلم والفساد وانعدام المساواة والقوانين المجحفة. الثورة قامت ليس بهدف شخصي ولكنها كانت لصالح الجميع».

ويستطرد الشيخ عبد الفتاح: «المسجد إبان الثورة تحوّل إلى مستشفى لعلاج المصابين، وصيدلية تضم أدوية لعلاجهم، وإلى مكان للمبيت.. شنط الطعام كانت تأتي وكنت أشارك في توزيعها على الثوار. وعلى الرغم من إرهاقي الشديد بسبب السهر وقلة النوم، كنت فرحا جدّا بالثورة، وأقوم بتشجيع الثوار وأنا أردد بينهم: العمر واحد والرّب واحد».

ثم يصمت قليلا، مطرقا رأسه ومتذكرا مشاهد من يوميات الثورة، ثم يتخذ دور الراوي، فيقول: «اكتشفنا بعض البلطجية داخل المسجد في الأيام الأولى. كانوا يخبئون في ملابسهم أسلحة بيضاء وماء نار وذخيرة، وأمسكنا بهم، وسلّمناهم للشرطة العسكرية».

من خلف شبابيك المسجد، ذي الزخارف الإسلامية المتقنة، تابع الشيخ كلامه متناولا ما عرف بـ«موقعة الجمل»، فقال: «كان ذلك اليوم أكثر الأيام صعوبة.. والمشهد كان يحزّن. المصابون كانوا ينقلون إلى هنا كل دقيقة، والشهداء يُحملون إلى القبلة للصلاة عليهم. المسجد آوى الناس. لم ننتبه لمسلم من مسيحي. جمعتنا كلنا كلمة واحدة ومطلب واحد هو رحيل مبارك».

لا ينسى الشيخ عبد الفتاح أحد الشهداء الشباب الذي أحضره بعض المتظاهرين، وبعد الصلاة عليه تركوه ولم يتعرّف عليه أحد، وظل لساعات إلى أن جاء أهله، وتعرّفوا عليه.. وهنا كان المشهد الذي أبكى الجميع.

ثم يروي مستطردا: «على العكس، كان المشهد الذي فرّح المصريين يوم (جمعة الرحيل). كنا انتهينا من صلاة المغرب، وفتحنا الإذاعة.. تنحّى مبارك.. المسجد هاص من الفرحة، ورفعنا أصواتنا بالتكبير».

ويبتسم الشيخ وهو يتذكر المشهد الذي انتظره «إنه حلم تحقق.. والنهاية كانت سعيدة»، ويتابع: «في صلاة العشاء، توافدت حشود الثوار الفرحين إلى المسجد، صلّينا 4 جماعات في المسجد وفي الشارع، الجميع جاء لحمد الله وشكره».

يُسلم الشيخ أحد المصلّين حذاءه مقابل قروش قليلة تذهب لمستلزمات المسجد وليس لجيب جلبابه، ثم يتابع حديثه: «الثورة نجحت عندما رأيت مبارك أمام القضاء، شعرت وقتها أن مجهودنا لم يضع هدرا..»..

«الفلول» هم أكثر ما يقلق الشيخ عبد الفتاح على الثورة، لأنهم كما يقول «يلبسون لبس الثوار، ويدخلون وسطنا، ويحاولون تأخير الثورة عن طريق الفتن، إنهم الخطر الأكبر حاليا». ويتابع بحماسة: «كلنا لازم نكون إيد واحدة زي وقت الثورة، لازم ننسى أي خلافات علشان نقدر نحافظ عليها، مفيش فرق بين مسلم ومسيحي، ولا كبير وصغير.. الثورة لازم تكمل».

ويضبط الشيخ طاقيته، ويضيف: «ربنا أكرمنا بالثورة، وأحمد الله أنني شاركت فيها وفي الحفاظ عليها، أنا مبسوط أن دوري لم يقلّ عن أي أحد، إنني أحكي لأبنائي الستة عما حدث.. وأعلّمهم عدم السكوت على الحق أو التفريط فيه، وكيفية الحفاظ على الوطن».