تونس: الأضاحي ومظاهر العيد.. بين شكاوى الفلاحين وعجز المستهلكين

مواطنون يطالبون بإيجاد بنوك «تقدمها على قاعدة القرض الحسن»

خراف العيد في تونس ترهق ميزانية المواطنين («الشرق الأوسط»)
TT

لم يعد الاحتفاء بعيد الأضحى - أو «العيد الكبير» كما يطلق عليه في تونس - يأخذ طابعا كرنفاليا كما كان في السابق، بل انحصرت الفرحة داخل المنازل وفي حدود ضيقة، بعضها سببه الإجراءات الحكومية وبعضها الآخر عائد للظروف الاجتماعية الصعبة وضعف الطاقة الشرائية للمواطنين.

بيد أن «خروف العيد» لا يمثل معضلة كبيرة في تونس، فثمة من يستطيع شراءه، كذلك هناك من يكتفي بشراء بعض الكيلوغرامات من اللحم. وبالطبع ثمة من ينتظر هدايا العيد من جيرانه الذين اشتروا خروفا، ذلك أن المجتمع التونسي لا يزال متكافلا، في الحد الأدنى على الأقل، لا سيما في المناسبات الدينية.

عز الدين الفرحاني، الباحث في علم الاجتماع، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «اختفت المظاهر الرائعة التي كانت سائدة في تونس قبل عقدين أو ثلاثة، عندما كان الأهالي يقتنون خروف العيد قبل شهر أو أكثر، ثم يقومون بتسمينه عن طريق تقديم العلف المركّز، مثل الشعير وغيره. وبعد أيام يخرج الصبية بخرفان وأكباش العيد إلى الشارع». ويسترسل قائلا «كان الأطفال في غاية السعادة وهم يجوبون بخرفانهم الحي الذي يسكنونه، وربما الأحياء المجاورة، وتبلغ بهم السعادة ذروتها إذا انتصر خروفهم أو كبشهم في معركة جانبية مع خرفان وأكباش الآخرين». ثم، بزفرة فيها الكثير من الأسى يكمل «ما عادت هذه الأشياء الجميلة قائمة اليوم. حتى الأوضاع الأمنية، فضلا عن الاجتماعية، لا تساعد على استمرار هذا المنوال المجتمعي الذي يكرس الفرحة الجماعية ويجمع الناس على المشترك الثقافي».

ولكن، في المقابل، لا يستبعد الفرحاني عودة الألفة بين الناس، لا سيما في العيد، بعدما «كانت السياسة تفرقهم.. إذ لم يكن متاحا لهم في العيد مثلا أن يصلوا صلاة العيد مع أسرهم خارج المساجد، ولا حتى أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فقد كان هناك خوف غير مبرر من مظاهر التدين»، مستشهدا بما حدث في عيد الفطر الماضي. وأضاف «بعد سقوط المخلوع، خرج الناس أفواجا للمصليات، والساحات الكبيرة، وأقاموا صلاة العيد بعد أكثر من 50 سنة من المنع».

من جهة أخرى، يعتقد تجار الخراف «أن الأسعار مناسبة»، وأنها لا تحقق لهم سوى ربح ضئيل، كما يقول الفلاح بشير الحامدي، الذي وجدته «الشرق الأوسط» مع قريب له يعرض خرفانه على قارعة الطريق. وتابع الحامدي «منذ مارس (آذار) الماضي ونحن نقدم العلف بثمن باهظ للخرفان، واليوم لا نجد سوى القليل من الأرباح. الأسعار عندي تتراوح بين 310 و320 دينارا تونسيا (الدينار نصف يورو تقريبا)». وكان التوقيت المحلي يشير في تلك اللحظة إلى الساعة الثالثة من بعد الظهر، وعندما سألناه كم خروفا باع أجاب بأنه لم يبع أي خروف، شاكيا «منذ الصباح جئت إلى هنا لعلنا نظفر ببعض المشترين لكن دون جدوى».

أما الفلاح الهادي الهداجي، الذي يقع بيته على مقربة من الطريق العام، فإن الأسعار لديه تتراوح بين 200 دينار و390 دينارا. وكان ملاحظا أن خراف الهداجي أفضل من حيث الحجم، من خراف نظيره الحامدي، إلا أنه اشتكى بدوره من قلة الإقبال وارتفاع تكاليف تسمين الخراف. وعن العلف الذي يناوله لخرافه قال إنه يقدم لها الشعير والهشيم والعلف الحيواني الموجود في السوق، وهو لا يعرف مصدره ولا مكوناته لكنه - كما قال - له دور في نمو الخروف وتسمينه.

الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الحكومة التونسية حددت أسعار خراف العيد بالكيلوغرام، بحيث يباع الخروف البالغ وزنه 45 كيلوغراما بـ265 دينار (أي 6 دنانير للكيلو غرام الواحد - أي وزن الخروف وهو حي)، والخروف البالغ وزنه 50 كيلوغراما بـ295 دينارا، فإنه لا يوجد أي التزام من قبل الفلاحين والتجار بهذه المعايير، بل تجري عملية البيع والشراء كيفما اتفق.

ثم لئن كانت أسعار الفلاحين مرتفعة بالنسبة للمستهلك فإن أسعار التجار الوسطاء بين الفلاح والمستهلك عالية للغاية، إذ تصل إلى 500 دينار للخروف الواحد وربما أكثر. «وهذا ما يجعل الأسرة التونسية تفكر ألف مرة» كما قال الفرحاني «قبل الإقدام على شراء خروف يمكن أن يخل بالميزانية العامة للأسرة ومدخراتها.. وهذا إذا كانت لها مدخرات من الأساس، لا سيما أن تقاليد الدفع المؤجل بدأت تتقلص وتختفي هي الأخرى»، وأردف «ثم هناك مقولة رائجة في تونس وهي أنك إذا أردت أن تحافظ على صديقك فلا تقرضه مالا ولا تعره ما يعار».

ثم هناك نقطة إضافية هذا العام أسهمت في ارتفاع الأسعار كثيرا، هي اعتماد السوق الليبية في ظل الظروف التي يمر بها الليبيون على المنتوجات التونسية، بما في ذلك اقتناء خروف العيد، وهذا فضلا عن تمضية آلاف الأسر الليبية العيد الكبير في تونس، إلى جانب انقطاع سيل الأغنام المهربة من الجزائر عبر الحدود.

يبقى القول، إنه على الرغم من كل ما تقدم، فإن الوضع في تونس ليس سيئا، إذ أبلغنا كثيرون ممن تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» بأنهم اشتروا خراف العيد «بأسعار تعد فلتة في حدود الـ170 دينارا»، كما أن بعضهم اقترض سعر الخروف من «أناس طيبين»، لكنهم طالبوا بإيجاد «بنوك تتولى تزويد المواطنين بخراف العيد من دون فوائد، وفق النظام البنكي اللاربوي، أي بأسعار أشبه ما تكون بالقرض الحسن». وبطبيعة الحال، ثمة من حصل على خروف العيد «هدية من هيئات مسجدية وأهل الخير»، وحتى بعض أولئك الذين قالوا لنا إن خرافهم سرقت منهم قبل العيد، تابعوا أن «أولاد الحلال جمعوا مبلغا من المال واشتروا لأبنائي خروفا على حسابهم، فبارك الله فيهم».