تأخر هطول الأمطار يبعث القلق والارتياح في المغرب

مزارعو البرتقال وواحات النخيل لا يتمنونها ومزارعو الحبوب ينتظرونها

واحة نخيل في الجنوب المغربي («الشرق الأوسط»)
TT

تتطلع أعين الملايين من سكان البوادي المغربية بقلق إلى السماء بحثا عن غيمة أو أي مؤشر على قرب هطول الأمطار الخريفية التي تأخرت عن موعدها هذه السنة. غير أن الجميع لا يتقاسمون القلق نفسه.

إذ إنه في حين يتمنى مزارعو الحبوب أن تهطل الأمطار بسرعة لكي يتمكنوا من زراعة الأرض، يتخوف المزارعون في ضيعات (مزارع) البرتقال، الذي يشكل أحد أبرز المنتجات الزراعية التي يصدرها المغرب، من هطول الأمطار ويتمنون في قرارة أنفسهم أن تتأخر بضعة أيام أخرى، بعد بدء موسم جني البرتقال. والسبب أن هطول الأمطار من شأنه أن يؤخر عملية الجني لبضعة أيام بسبب صعوبة العمل في الحقول المبتلة، خاصة في سهول الغرب شمال الرباط، وهي سهول تتميز بتربتها الثقيلة، وما يترتب على ذلك من صعوبة تصريف مياه الأمطار.

أحمد الضراب، رئيس جمعية منتجي الحوامض في المغرب، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحا «هطول الأمطار الآن سيكون سيئا بالنسبة لضيعات البرتقال، خاصة إذا كان بكميات كبيرة، لكننا أيضا نتمنى أن يأتي الفرج لاحقا، لأن مياه السدود والمياه الجوفية تعتمد بطبيعة الحال على هطول الأمطار». وأردف الضراب بأن الحجم المتوقع لموسم البرتقال هذه السنة يقدر بنحو 1.86 مليون طن، أي بزيادة 10 في المائة مقارنة مع العام الماضي.

أيضا، في واحات النخيل بالجنوب المغربي، يتخوف منتجو التمور كذلك من هطول الأمطار خلال هذه الأيام، ويوضحون أن تخوفهم عائد «لأن موسم جني التمور بدأ للتو، وبالتالي فإن هطول الأمطار في وقت لا تزال سبائط التمر معلقة فوق رؤوس النخيل قد يفسد كل شيء». وتابعوا «إن التمور المبتلة يتغير لونها للأسود وتقل جودتها وتكون أكثر عرضة للتلف».

ثم إن هناك أيضا تجار الكلأ والأعلاف، الذين يعتبرون من أكبر المستفيدين من تأخر الأمطار. والجدير بالذكر، أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية لم يعرف المغرب هطول أمطار، الشيء الذي تسبب في تردي حالة المراعي الطبيعية، واستطرادا في اعتماد مربي الماشية على الأعلاف التي يشترونها من السوق، الشيء الذي رفع الأسعار وكذلك هامش ربح تجار الأعلاف. ويرتقب أن تنعكس هذه المصاريف الإضافية على أسعار الخراف خلال عيد الأضحى المرتقب.

بالعكس تماما، فإن الأمر يختلف بالنسبة لنحو مليوني مزارع صغير يعملون في مجال زراعة الحبوب التي تعتمد كثيرا على الأمطار. بالنسبة لهؤلاء كل شيء متوقف على هطول المطر، إذ إن إعداد التربة للزراعة يتطلب هطول الأمطار لري التربة وجعلها ملائمة للعمل. ومع هؤلاء ينتظر ملايين العمال الموسميين الذين يترقبون فرصة العمل التي يتيحها انطلاق موسم زراعة الحبوب.

وهنا يقول أحمد أوعياش، رئيس الفيدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية «الوضع مقلق، فالأمطار تأخرت نحو عشرة أيام عن موعدها، لكن إعلان إدارة الأرصاد الأخير جاء مطمئنا، فهناك كما علمنا أمطار متفرقة تتجه نحو المغرب خلال الأيام المقبلة». وأوضح أوعياش لـ«الشرق الأوسط» أن هبوط الأمطار «يكتسى أهمية حاسمة بالنسبة لزراعة الحبوب في المغرب خلال فترتين في السنة: الفترة الأولى هي فترة الأمطار الخريفية، التي تمتد من 15 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي يجري خلالها حرث الأرض وإعدادها للزراعة. والفترة الثانية تمتد من منتصف مارس (آذار) إلى بداية أبريل (نيسان)، وهي المرحلة التي تمتلئ خلالها الحبوب، ومن ثم، تحتاج الأرض خلالها أن تسقى لكي يسهل على المزروعات امتصاص المواد المغذية من التربة».

في هذه الأثناء، تقول مصادر وزارة الزراعة إن المغرب «في وضعية مريحة» من حيث مخزون الماء في السدود بسبب توالي سنتين جيدتين من الأمطار خلال عامي 2009 و2010. إذ يقدر المخزون المائي في السدود بنحو 9.5 مليار متر مكعب، أي نحو 72 في المائة من قدرة امتلاء السدود المغربية، كما تتوافر كمية تقدر بنحو 4.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية للزراعة عبر الآبار والينابيع.

ويواصل المغرب هذه السنة برنامج دعم المزارعين لإعداد حقولهم بتقنيات الري بالتنقيط. وتقدم الدولة دعما بنسبة مائة في المائة من تكاليف التجهيز بالنسبة لصغار الفلاحين ومشاريع تكتل الفلاحين الصغار من أجل تشكيل وحدات إنتاجية كبيرة، بالإضافة إلى مشاريع التحول من الزراعات الأقل مردودية إلى الزراعات الأكثر مردودية، كالتحول من زراعة الحبوب في أراض غير مسقية إلى ضيعات للأشجار المثمرة. ثم إن الدولة تمنح الآن دعما بنسبة 80 في المائة من تكاليف تجهيز الضيعات بتقنيات الري بالقطرة بالنسبة للمشاريع الزراعية الكبيرة.

وتتميز هذه السنة أيضا بدخول التأمين الزراعي على المخاطر المناخية والبيئية حيز التنفيذ وسعي الحكومة لتعميمه على أهم المناطق الزراعية في المغرب.