متحف الحضارة في مصر: قاعة دائمة لمقتنيات «ثورة 25 يناير» بجوار تحف قبطية وإسلامية ويونانية

حيث يلامس المعاصر آثار الفراعنة

جماليات المتحف وموقعه الفريد في لقطة بانورامية («الشرق الأوسط»)
TT

فرضت ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» 2011 ظلالها وأجواءها على سيناريو عرض متحف الحضارة في مصر، وهو متحف يسابق الانتهاء من تشييده الزمن، برعاية ودعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو).

يقع المتحف، الذي ينتظر افتتاحه في عام 2013، على ضفاف النيل في ضاحية عين الصيرة بمنطقة مصر القديمة في العاصمة المصرية القاهرة. أي إنه يقع في منطقة تتلاقى فيها آثار الديانات السماوية الثلاث؛ ففي هذا المكان يقع جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا اليهودي.

وفي ندوة دولية اختتمت بالقاهرة يوم الخميس 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بمشاركة خبراء من اليونيسكو، خلص المشاركون إلى ضرورة حضور «الثورة» ضمن «سيناريوهات» العرض المتحفي، في تناغم بين الثورة والمقتنيات الأخرى التي سيضمها المتحف، بحيث يصبح المتحف «رسالة سلام» من مصر إلى العالم.

يشار إلى أن الندوة حضرها ممثلون عن منظمة اليونيسكو، ومتحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس، والمتحف الوطني في السويد، وبمشاركة خبراء في المتاحف المماثلة في كل من كندا وبريطانيا والسويد وفرنسا.

وخلال لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، تحدث عن «وضع استراتيجية عمل للفترة المقبلة على ضوء الأحداث الأخيرة في مصر، وكذلك التذكير بأهمية متحف الحضارة كأول متحف من نوعه في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وأكبر متحف على مستوى العالم، والأول من نوعه في شؤون حضارة ما قبل التاريخ وما بعده، والدور الذي سيكون منوطا به لتدعيم السلام، من خلال ما سيضمه من مقتنيات»، وأضاف أنه «مراعاة للثورة، تقرر إقامة قاعة عرض دائمة داخل المتحف تضم نماذج أثرية من إنتاج مجلس الآثار المصري تعبر عن المفاهيم التي أطلقتها الثورة مثل العدالة الاجتماعية، التي يمكن أن تمثلها تماثيل للداعية ماعت؛ داعية الحق والعدالة عند الفراعنة، وأوزيريس داعية الخير عند المصريين القدماء».

القاعة ذاتها ينتظر أن تحتوي على قطع فنية من المنحوتات والرسوم التي أبدعها الفنانون التشكيليون، وتحاكي أجواء ثورة «25 يناير»، بالإضافة إلى مجموعة من الصور التي جسدت الأحداث التي مرت بها الثورة في ميدان التحرير، وصور شهدائها من الشباب، وبعض متعلقاتهم الشخصية، لا سيما تلك التي عثر عليها في مواقع استشهادهم واحتفظ بها بعض الشباب، كالأعلام التي كان الشهداء يحملونها أثناء المظاهرات واستشهدوا وهم يمسكون بها.

من جهة ثانية، تم الاتفاق خلال الندوة الدولية على عمل خبراء المنظمة الدولية على تأهيل جميع العاملين في مشروع المتحف، بينما ينتظر الاستقرار على هيئة المتحف المستقبلية، حيث يخطط أن يكون له لاحقا صفة المؤسسة ذات الهيكل الإداري والمالي المستقل، ليصبح على غرار مكتبة الإسكندرية، وتوفير «كادر» خاص لجميع العاملين في المتحف.

وهنا يقول محمد عبد الفتاح، مدير المتحف الأثري، إن «سيناريو العرض المتحفي سيتضمن عرضا لمومياوات ملوك الإمبراطورية، علاوة على مجموعات المتحف الأساسية، حيث يجري عرض آثار عصر ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث والمعاصر. وتنقسم فيه طريقة العرض إلى ستة مواضيع، هي: فجر الحضارة والنيل، والكتابة، والعلوم، والثقافة المادية، والدولة والمجتمع، والعقائد والفكر»، ويتابع: «ينتظر أن يكتمل إنشاء مركز للبرديات داخل المتحف وستنقل إليه كل البرديات الأثرية من كل المتاحف المصرية، ليصار إلى ترميمها وتوثيقها ودراستها، ومن ثم نشرها نشرا علميا وعرضها في نظام عرض متكامل داخل قاعات المتحف».

ما يذكر أن مساحة المتحف تبلغ 33 فدانا، وتتكون من مبنى إداري مستقل عن قاعات العرض المتحفي، ومركز للخدمات التعليمية، ومركز تجاري، وصالة للاحتفالات، ودار سينما فيها 332 مقعدا، ومسرح، وقاعة للمحاضرات.. هذا بالإضافة إلى مخازن أثرية ومعامل للترميم ومعامل للصيانة والورش.

ويقوم المشروع على استغلال المنطقة الفريدة الواقع فيها المتحف، بالقرب من مواقع الديانات السماوية الثلاث، مما يجعل المنطقة مركزا للإشعاع الثقافي والحضاري، ودلالة رمزية للمصريين، في حين تتنوع مقتنياته بين روائع فنية من العصرين اليوناني والروماني؛ منها صور وأعمال ومنحوتات عثر عليها في مدينة الفيوم، على مسافة 100 كيلومتر من العاصمة، وأخرى من العصر القبطي، تضم مخطوطات ونسخا مزخرفة من الإنجيل، وتضم كذلك أعمالا فنية تعود إلى العصر الإسلامي، تشمل مخطوطات وخزفا وأسلحة وعددا من المصنوعات الفنية الأخرى.

وحسب ما هو مخطط، فإنه يراد للمتحف أن يقدم - بجانب دوره العرضي التقليدي - خدمات أخرى تعليمية وثقافية، تتجسد في المرافق التي يتضمنها المشروع؛ وفي مقدمتها منطقة محلات تجارية ومكتبة وقاعات للتدريب الأثري، ومطعم على هيئة هرم زجاجي داخل بحيرة عين الصيرة في الناحية الشرقية للمتحف. ووفق دراسات الجدوى، يتوقع للمتحف أن يحقق عائدا سنويا يقدر بنحو 150 مليون جنيه، على أن يوفر نحو 5 آلاف فرصة عمل، في حين سيتيح سيناريو العرض المتحفي للزائرين مشاهدة ومتابعة تطور قصة الحضارة المصرية، في تسلسل تاريخي خاص بالعصور المختلفة، مع إبراز سمات كل عصر وإنجازاته.

وأخيرا.. تجدر الإشارة إلى أنه كان مقررا تشييد المتحف على أرض الأوبرا في أواخر عقد التسعينات، إلا أن منظمة اليونيسكو ارتأت تشييده في الموقع الحالي المختار.