العيد في المغرب حول دكاكين بيع الملابس وإصلاح السيارات إلى محلات لبيع الخراف

حتى على الشرفات بحي أكدال في الرباط

أمكنة لا تخطر على البال يحتفظ بداخلها بخراف العيد (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

اعتاد المغاربة شراء أضاحي العيد قبل أيام من يوم العيد نفسه، الأمر الذي يؤدي إلى مفارقات طريفة ترتبط بهذه المناسبة.. إذ غالبا ما تتحول معظم المحلات والأسواق المتخصصة في بيع بعض اللوازم المنزلية والخضراوات والملابس، أو حتى حوانيت الصناعات التقليدية، إلى أمكنة ومحلات تمتلئ ملء سعتها بالخراف.

وفي بعض ضواحي سلا أو ضاحية تيفلت القريبة منها، وهما لا تبعدان كثيرا عن الرباط، أصبحت بعض المحلات المتخصصة في بيع الملابس تعرض أكباشا للاستفادة من الرواج خلال عيد الأضحى. وفي حي يعقوب المنصور، أحد الأحياء الشعبية في الرباط، اختار صاحب دكان ميكانيكي سيارات أن يبدل قطع غيار السيارات بمجموعة من الأكباش. كذلك قرر صاحب محل لبيع الدجاج في حي حسان بالرباط أن يسمع في محله ثغاء الخرفان عوضا عن صياح الدجاج. وبطبيعة الحال، لا يقتصر أمر هذه الظاهرة الموسمية على العاصمة المغربية.. ففي الدار البيضاء، القاعدة الاقتصادية للبلاد، خصص مرأب في أسفل إحدى الصيدليات التي تقع في الطابق الأول من إحدى البنايات في هذا الأسبوع لبيع أضاحي العيد. وفي مدينة مكناس جهز شخص الطابق السفلي من بيته لينشئ به قاعة للرياضة، ومع عيد الأضحى حول قاعة الرياضة التي كانت ستضم معدات للتمارين الرياضية إلى قاعة لبيع خرفان العيد.

العائلات المغربية تبادر في العادة إلى شراء الأضحية قبل أيام من يوم العيد، ويحتفظ أغلبية المغاربة بالخراف في أسطح المنازل، وبالأخص في الأحياء الشعبية. أما في أحياء الشرائح الوسطى فهناك من يضع الخراف في مرائب السيارات أو في أماكن منعزلة عن البنايات السكنية. ولكن في بعض الأحيان تختار الأسر وضع الكبش في مكان لا يخطر على بال، وهو حال إحدى الأسر في حي أكدال، أحد أكبر أحياء الطبقة الوسطى في العاصمة المغربية، حيث وضعت خروفها في الشرفة (السطيحة) المطلة على الشارع إلى جانب الأغراس وعصافير الزينة.

وعلى صعيد آخر، وبالتزامن مع العيد تعرف بعض المهن ازدهارا استثنائيا.. إذ على مقربة من أحد الشوارع الرئيسية في حي حسان بالرباط، حيث يوجد اثنان من أفخم فنادق العاصمة المغربية، نصب أربعة شبان ما يشبه خيمة لبيع أعلاف الخراف بمناسبة عيد الأضحى الذي سيحتفى به في المغرب هذا الاثنين - بدلا من يوم الأحد كما هو الحال في الكثير، بل في باقي الدول - والأعلاف المعروضة للبيع هي برسيم جاف وشعير وتبن، ويشتري الزبائن بالتقسيط مواد العلف حسب مدة الأيام التي تفصلهم عن يوم العيد.

وكما سبقت الإشارة، لا توجد مدينة في المغرب تشكل استثناء لهذه القاعدة. في ركن بالقرب من محطة لتوزيع الكهرباء في حي السلام بمدينة سلا المجاورة للرباط، يبيع شابان الفحم الخشبي ومواقد طينية، وأواني «الطاجين» المصنوعة هي الأخرى من الطين. وللعلم، تحرص الأسر المغربية على عادات كثيرة بمناسبة عيد الأضحى ترتبط بأكل اللحم، وفي المغرب عيد الأضحى هو فعلا «العيد الكبير»، إذ إن العادات تجعل منه بالفعل عيدا كبيرا. ثم إنه بمناسبة «العيد الكبير» تظهر مهن موسمية خلال أيام العيد. وفي هذا السياق هناك متخصصون في بيع أدوات وقضبان الشواء الحديدية (الأسياخ أو الأشياش)، والقضبان الخشبية، والسكاكين ومناشير لتقطيع اللحم، وأدوات أخرى لفصل اللحم عن العظم. ومن هؤلاء شبان يجولون في الأزقة الشعبية وهم يدفعون عربات صغيرة تتوسطها عجلة كبيرة حجرية - وليست مطاطية - لا تلمس الأرض. ومهام أصحاب هذه العربات شحذ سكاكين النحر من خلال وضع السكين على هذه العجلة الحجرية وتدويرها كما هو شأن تحريك عجلة الدراجة الهوائية. وبواسطة هذه العجلة الحجرية الرحوية يجري أيضا شحذ المدى المستخدمة لقطع الأضحية إلى أطراف. وتبلغ تكلفة شحذ سكين صغيرة أربعة دراهم، أي نحو نصف دولار، مقابل دولار للسكين الكبيرة، ودولار ونصف دولار للمدية، خلال أيام ما قبل العيد.. عندما يكون الرواج في أوجه.

كذلك يصبح نقل الأضاحي من الأسواق الشعبية عملا مربحا لأصحاب وسائل النقل الذين يملكون نصف شاحنات (نصف نقل). وهنا أيضا تتفاوت التكلفة أو الأسعار حسب المسافة والقدرة المالية على استئجار وسيلة أسرع. وبالإضافة إلى الشاحنات «نصف نقل» الصغيرة، هناك أصحاب العربات التي تدفع أو تجر يدويا. وغالبا ما يجري استعمال هذه العربات لمسافات قصيرة داخل الحي الواحد نفسه. وطبعا، هناك كذلك دراجات نارية صينية الصنع مصممة على شكل عربات لنقل البضائع والسلع، لكن أصحابها يفضلون تخصيصها لنقل الخراف هذه الأيام.

كل هذه الأنشطة تتراجع قبل يوم العيد، تباعا، لتبرز خدمات أخرى يحصل أصحابها أيضا على مداخيل لا بأس بها.. وهي أيضا لا تخلو من أهمية.

ومن هذه الخدمات الدور الذي يلعبه الجزارون الذين يجوبون الشوارع لنحر الأضاحي، إذ يتم الاتفاق مع الجزار على الموعد الذي يأتي فيه لذبح الأضحية. وأغلى الخدمات هي ما يقوم به هؤلاء الجزارون، إذ منهم من يطلب مبلغا كبيرا لقاء عملية نحر الأضحية وسلخها، ويتراوح المبلغ ما بين مائة إلى 300 درهم (12 إلى 38 دولارا)، وفي يوم العيد يقدم كثيرون أنفسهم باعتبارهم جزارين «محترفين»، وذلك لكي يقنعوا أصحاب الأضاحي بقدرتهم على أن يضمنوا لهم نحرا وسلخا طبقا للأصول.

ثم بعد نحر الأضحية، تبدأ مهام أخرى، غالبا ما يقوم بها صبية صغار، ويجمعون من خلال هذه الأعمال بعض المال. ومن ذلك عملية شواء رؤوس الأضاحي، وهو ما يعني حرق الصوف في رأس الأضحية ليسهل طبخه، ويطلق عليه في المغرب «تشواط»، حيث يدفع كل راغب في معالجة الرأس بهذه الطريقة مبلغا في حدود 15 درهما (نحو دولارين) لقاء ذلك.