بائع شاي: «عاوز تبقى ريس.. عامل الناس كويس»

محمد صابر.. كسر احتكار النخبة للشعار السياسي

الشعارات السياسية وجدت مكانها على واجهات الأكشاك المصرية لتعبر عن صحوة شعبية («الشرق الأوسط»)
TT

طغت السياسة على حياة المصريين.. فبعد أن تحاشوا الكلام فيها لسنوات طويلة، أصبحت الآن بمثابة خبز يومي aيتناثر على المقاهي الشعبية وفي الحافلات العامة والمنتديات واللقاءات الخاصة، ولم يعد غريبا أن تجد اللافتات السياسية على محلات البقالة، وعربات الباعة الجائلين، وأكشاك الشوارع.

ولا يخلو الكلام في السياسة من مفارقات الروح المصرية المشهورة بحب النكتة والمزاح والسخرية اللاذعة أحيانا، لكن اللافت في هذا المشهد، الذي ينمو بقوة في أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة، أنه كسر احتكار النخبة للشعار السياسي وألقى به على قارعة الطريق.. خاصة مع قرب الاقتراع في الانتخابات البرلمانية، التي ستشكل أول برلمان نيابي بعد الثورة منوط به وضع دستور جديد للبلاد.

في مدينة السويس، إحدى أيقونات ثورة «25 يناير»، ووسط اللافتات والدعاية الانتخابية الضخمة التي تشهدها المدينة استعدادا لانتخابات مجلس الشعب، ورغم الزحام الشديد في حي الأربعين عاصمة السويس (نقطة انطلاق الثورة الشعبية هناك)، وضع شاب يدعى محمد صابر سالم (23 عاما) ركنه الخاص، أو كما يسميه «محله الطائر» لبيع الشاي والقهوة، أمام مركز الإطفاء العريق بالحي.. في مشهد يستدعي من الذاكرة صورة عربة «البوعزيزي» الذي أشعل بطموحه وسعيه للحرية فتيل الثورة التونسية.

على واجهة «محله الطائر» علق الشاب محمد صابر لافتة كتب عليها «عاوز تبقى ريس، عامل الناس كويس»، مختصرا ببساطة شديدة مساحات من الجدل والحوار يتجدد إيقاعها يوميا بين النخبة وبين السلطة العسكرية الحاكمة للبلاد، في مرحلة انتقالية يترقب المصريون أن تسفر عن شكل مدني للحكم.

عفوية محمد، التي عبر بها عن ما يجيش بداخله وداخل كل مصري يسعى للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، أصبح لها صدى إيجابي يتردد على ألسنة الزبائن الذين يمرون عليه لالتقاط الأنفاس، وتجديد الطاقة بكوب من الشاي المعتبر، أو فنجان محوج من القهوة. فرغم اللافتات السياسية المعلقة على أعمدة الإنارة والبنايات المحيطة في حي الأربعين، يسترعي انتباه الزبائن لافتة محمد ويقولون له «نعم، معك حق يا محمد.. هذا فقط ما نريده من رئيس أو حاكم ناجح يراعي مصالح بلاده ومواطنيه».. ويرد محمد بتلقائيته المعهودة: «ربنا يبارك فيكم».

وحين سألته عن مغزى شعاره البسيط، وأنا أرتشف فنجان القهوة المحوج، قال: «بعد الثورة الناس لازم تتكلم، لازم يكون عندها وعي سياسي، لازم الكل يعمل ويشارك في مستقبل البلد. وأنا متفائل إن شاء الله بهذا المستقبل».

يلتقط الخيط رجل سبعيني اسمه عطية، يبدو أنه من زبائن محمد المستديمين، ويعلق بقوله: «عشنا ثلاثين سنة، لم يفكر أحد في هموم الناس ومشكلاتهم، ولم يتلمس أوجاعهم ويضمدها، خاصة في محافظة السويس التي كانت مغضوبا عليها من قبل النظام السابق، ولاقت إهمالا شديدا في كل المجالات.. فرغم تزايد عدد المصانع في هذه المحافظة فإن معظم شبابها لا يجد عملا، لأن معظم العمالة في هذه المصانع تأتي من خارج المحافظة، وذلك لتفضيل أصحاب المصانع تعيين الأقارب والمعارف بعيدا عن أي تمييز لقدراتهم أو حتى معرفة إمكاناتهم».

ومثل معظم سكان السويس، يشكو فتى الشاي وعدد من الزبائن من مشكلة الإسكان. والمحزن – كما يقولون - إنه رغم توافر عدد لا بأس به من البنايات الجاهزة المخصصة لإسكان الشباب وحديثي الزواج في المناطق الحديثة، مثل «التوفيقية»، فإنه علاوة على البطء في عملية توزيعها، أصبحت تمنح لغير مستحقيها من رجال أعمال أو مسؤولين من النظام السابق.

ويضم هؤلاء الزبائن صوتهم لصوت محمد، فمن أجل أن تصلك رسالتنا صريحة وواضحة «عاوز تبقى ريس، عامل الناس كويس».