«بئر الدهماني» في تونس تجذب إليها الباحثين عن الاستشفاء

تعود للقرن الـ7 الميلادي ويستخدمونها للتداوي من الحكة والحساسية والأمراض الجلدية

بعض زائري «بئر الدهماني» («الشرق الأوسط»)
TT

تزخر تونس بالعديد من منابع المياه التي يعتقد أن لها خاصية استشفائية لكنها لا تلقى الرواج اللازم في الخارج، وإن كانت تتمتع بشهرة واسعة داخل البلاد، ومن تلك المياه ما هو مرتبط باسم علماء صالحين عرفتهم ربوع تونس منذ المائة الأولى للهجرة، والقرن السابع الميلادي. ومن تلك المياه ما يعرف بـ«ماء الدهماني»، وهي مياه عذبة على مقربة من سطح الأرض، الأمر الذي يختلف تماما مع طبوغرافية المنطقة وطبقاتها الجيولوجية المعروفة بشح المياه، وعمقها، بل ملوحتها.

وقال الباحث منذر السبري لـ«الشرق الأوسط»: «أبو يوسف الدهماني عالم صالح ولد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي.. تلقى الفقه من العالم أبو زكريا بن عواشي، والحديث من العالم عبد الله خير الله وغيره، وتوفي بالقيروان في القرن السابع الهجري وتحديدا في 621 هجرية 1224 ميلادية، ودفن في القيروان العتيقة التي تعرف اليوم بـ(باب تونس)، ولكن بعض تلامذته وذويه رأوا بناء مقام له قرب الصحابي أبي زمعة البلوي وعلى مقربة من جامع عقبة بن نافع».

وقد عرف أبو يوسف الدهماني، بالبئر الاستشفائية التي يردها الناس طلبا للشفاء من عدة أمراض؛ منها مرض الصفير، والحكة، والصدمة أو ما يعرف في تونس باسم (الفجعة) وهي أن يفاجئ الإنسان بمنظر مخيف أو صوت غير طبيعي. ويعرف في اللغة باسم «الترويع».

ما إن ولجنا ساحة الحرم الدهماني، حتى بادرتنا زوجة القائم على المقام بإدخالنا إلى داخل غرفة يوجد بها قبر أبو يوسف الدهماني، وطلبت منا قراءة الوصية قبل الإجابة عن أسئلة «الشرق الأوسط».

وقال القائم على مقام أبي يوسف الدهماني أبو بكر الغرباني، إنه يعمل في الحرم منذ 25 سنة، وإنه شاهد على جحافل الزوار الذين يفدون للحرم من مختلف الأصقاع من داخل تونس وخارجها، وبعضهم يعود زائرا مصطحبين معهم مرضى جددا يطلبون الشفاء من خلال الاستحمام بماء البئر بطريقة بدائية جدا. وهي سحب الماء من البئر عن طريق دلو وضع خصيصا للغرض. «كان هذا المكان يعج بالزوار من مختلف الأعمار، ولكن بسبب الثورة قل عدد الزوار كثيرا»، وتابع: «هذا الماء يداوي من، الصفير، ومن آثار الصدمة، ومن الحكة والحساسية والأمراض الجلدية»، ولا يتوجب على المريض المجيء إلى حرم مقام أبو يوسف الدهماني» يمكن لأي مريض أن يجلب له سطل (جالون) من الماء ليستحم به، «فإنه يشفى بإذن الله». ونفى الغرباوي، بيع الماء للزبائن: «هذه الطريقة التي ارتآها أبو يوسف الدهماني، وهي سحب الماء عن طريق الدلو والاستحمام به دون إضافة أي مواد أخرى، كما لا يمكن بيعه»، واشتكى الغرباوي، من تصرفات بعض المجرمين الذين حاولوا حرق أحد أبواب الحرم الدهماني مستغلين الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 14 يناير (كانون الثاني) في تونس.

وقد اطلعت «الشرق الأوسط» على آثار الحرق وعلى عمليات الترميم السيئة جدا التي قامت بها «حماية التراث» حيث لم يتم الترميم بشكل جيد، ولم يتم تزويده بالكهرباء دون سائر المباني في المنطقة، كما لم تعالج مشكلة الصرف الصحي، وهي مشاهد تصدم الزائر سواء كان من تونس أو خارجها.

لم تمنع قلة الإمكانات والخدمات عديد الزوار الباحثين عن الشفاء من المجيء إلى المكان، وقالت فتاة تدعى راضية (25 سنة) وتعمل مضيفة طيران: «نأتي هنا من حين لآخر، ونشعر بالراحة رغم عدم توفر أشياء كثيرة». وعن أسباب مجيئها إلى مكان يعالج بالماء وبإمكانها الذهاب إلى أفضل المستشفيات في العالم، أفادت بأنها جربت كل شيء: «قمت بزيارة عدد من الأطباء وذهبت إلى عدد من المستشفيات في دول مختلفة، ولكني لم ألحظ وجود تحسن سوى بعد مجيئي إلى هنا».

وعن المرض الذي تشكو منه، أشارت إلى حبيبات في يدها وقالت إنها تغطي كامل جسمها وهي أشبه ما تكون بآثار حروق، وأكدت أنها تتردد على الماء الاستشفائي منذ عامين، و«لم تعد الحبيبات تفرز قيحا كما كان في السابق».

وذكرت كريمة (33 سنة) متزوجة ولها 3 أطفال، وتقطن في منطقة السبيخة التي تبعد نحو 100 كيلومتر غرب تونس العاصمة أن «الناس يأتون من كل مكان طلبا للشفاء» وأضافت أن «الماء يداوي الفتور البدني، وأكثر الناس يستخدمونه لهذا الغرض». وحول ما إذا كانت هناك نتائج ملموسة من ارتياد هذا الماء، شددت على أن عودة الناس للمكان نفسه دليل على تحقيق نتائج: «لو لم تكن هناك نتائج لما عدنا إلى هنا»، وأعربت عن اشمئزازها لعدم إيلاء المكان ما يستحقه من عناية من قبل السلطات التونسية، رغم أن بعض السياح ينفلتون من رقابة رحلات السفر ويأتون للاستحمام في المكان.

ويجمع من وجدناهم في الحرم الدهماني على أنهم يشعرون براحة عند دخولهم المكان، ولذلك يأتون عدة مرات في الشهر، وبعضهم يجلب الطعام والماء من المنزل بينما يقوم آخرون بالطبخ في المكان نفسه. بيد أنه لا يوجد أحد يرغب في المبيت كما هي الحال في أماكن أخرى لعدم توفر التنوير الكهربائي. ويلجأ القادمون من بعيد للسكن في الفنادق ليلا والمجيء صباحا للحرم الدهماني. ويطالب جميع الزوار السلطات التونسية بتوفير الخدمات الأساسية للمقام الذي يرتاده آلاف التونسيين وغيرهم بمن في ذلك السياح الغربيون خلسة.

ولا يوجد في أماكن الاستحمام مقاعد أو تدفئة في فصل الشتاء، وقد تعود الناس على التعامل مع هذه الظروف القاسية، ما دام أن الهدف هو التعافي من الأمراض التي يعانون منها.