انطلاق إعادة ترميم جامع الظاهر بيبرس أول‏ مسجد ‏شيد‏ ‏خارج‏ ‏القاهرة‏ ‏الفاطمية

بسبب «ترميمات خاطئة» سابقة.. وبمساهمة من كازاخستان مسقط رأسه

جانب من جامع بيبرس وعملية إعادة الترميم («الشرق الأوسط»)
TT

من أبرز المعالم المعمارية الإسلامية المميزة في العاصمة المصرية القاهرة جامع الظاهر بيبرس (حكم بين 676 و658 هـ/ 1260 و1277م)، السلطان المملوكي الشهير، الذي ينسب إليه – وإلى سلفه المظفر قطز - النصر الكبير في معركة عين جالوت (1260م) بفلسطين، وهي المعركة التي قضت فعليا على وجود التتار. وما يذكره المؤرخون عن بيبرس، المعروف بـ«أبو الفتوح» ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري الصالحي النجمي، أنه كان سلطان مصر والشام، ورابع سلاطين دولة المماليك ومؤسسها الفعلي. كما يذكر عنه أنه نشأ في صغره مملوكا يباع ويشترى في أسواق بغداد والشام قبل أن يصبح أحد أعظم قادة العالم الإسلامي. ومن ناحية أخرى، بعيدا عن ميادين القتال وأروقة الحكم، اهتم بيبرس اهتماما عظيما بالعمارة فشيد عددا من المباني المهمة، دينية وغير دينية، في مقدمها جامعه العظيم الواقع في ميدان الظاهر، الذي يحمل اسمه بشمال وسط القاهرة اليوم. ولقد شرع في بناء الجامع عام 665 هـ الموافق 1267م، وأتمه عام 667 هـ الموافق 1269م.

والواقع أن جامع بيبرس يعتبر من أكبر جوامع القاهرة، إذ يبلغ طوله 103 أمتار وعرضه 106 أمتار، ولكن لم يبق منه سوى الجدران الخارجية، ومجموعة من عقود رواق القبلة، في حين حفظ مرور الأيام والسنين الكثير من تفاصيله الزخرفية، الجصية والمحفورة في الحجر. غير أن مشوار عودة هذا المعلم المعماري المهم إلى رونقه بدأت مؤخرا مع المجلس الأعلى للآثار في مصر الذي قرر إعادة ترميمه، وإزالة الترميمات الخاطئة التي سبق إدخالها على صيانة الجامع بسبب استخدام الشركة التي سبق أن نفذت لأعمال الترميمات بالطوب الرملي.

الجدير بالذكر أن جامع بيبرس خطط في عمارته على نسق غيره من الجوامع المتقدمة، إذ إنه يتألف من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة، أكبرها «رواق القبلة»، كانت عقودها مرفوعة على أعمدة رخامية باستثناء تلك المشرفة منها على الصحن. فهذه كانت مرفوعة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع، ثم هناك صف العقود الثالث من الشرق وكانت عقوده مرفوعة أيضا على أكتاف بنائية. من ناحية ثانية، كانت عقود القبة تتركز على أكتاف مربعة، في أركانها أعمدة مستديرة. وكانت هذه القبة كبيرة مرتفعة. وأما وجهات الجامع الأربع فقد شيدت بالحجر الدستور وفتحت بأعلاها شبابيك معقودة، وتوجت بشرفات مسننة، وتميزت بأبراج بنيت في أركان الجامع الأربعة. ويقع أكبر هذه المداخل وأهمها في وسط الوجهة الغربية قبالة المحراب. وقد حلي هذا المدخل، كما حلي المدخلان الآخران الموجودان في الوجهتين البحرية (الشمالية) والقبلية بمختلف أشكال الزخارف والحليات والمقرنصات البديعة، ويقال إن معظمها من زخارف وجهات الجامع الأقمر وجامع الصالح طلائع ومدخل المدرسة الصالحية بـ«القاهرة الإسلامية». أما منارة الجامع، فتقع في وسط الوجهة الغربية أعلى المدخل الغربي.

وحول عملية إعادة الترميم، قال الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، إنه «نظرا لعدم توافر الطوب الأحمر المتفق عليه مع الشركة المنفذة لصيانة الجامع، تقرر إزالة الترميمات الخاطئة التي سبق إدخالها على صيانة الجامع بعد استخدام الشركة للطوب الرملي (الوردي)». وأضاف أن «الشركة المنفذة خالفت بنود مقايسة المشروع والتصور المعماري الأثري المعتمد من اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، التي كانت أقرت استخدام الطوب الأحمر في بناء العقود والدعامات فقط».

وأكد أمين رفضه استخدام الطوب الرملي الوردي في أي من مشاريع الترميم الأثري المعماري للمواقع التاريخية، معتبرا استخدامه في ترميم المعالم الأثرية خيارا خاطئا وبالتالي مرفوضا، ولفت إلى أن «خطة ترميم المسجد وضعت في الحساب مشكلة المياه الجوفية المرتفعة بالجامع، بالتالي، عملت على ترميم الأواوين والحوائط الخارجية والقبة بتكلفة مقدارها 70 مليون جنيه (11.7 مليون دولار أميركي) لإعادة المسجد إلى حالته كتحفة معمارية».

وأشار الدكتور أمين في شرحه إلى تقديم جمهورية كازاخستان، بآسيا الوسطى، منحة مقدارها 4.5 مليون دولار عام 2007 للمساهمة في ترميم الجامع، «نظرا لأن الظاهر بيبرس ولد في أرضها، وستقدم هذه المنحة على‏ ‏ثلاث‏ ‏مراحل‏، ‏في ‏محاولة‏ ‏لاستعادة‏ ‏التاريخ‏ ‏العريق‏ ‏للجامع‏ ‏الذي أعطي اسمه‏ ‏لحي ‏الظاهر القاهري بعد‏ما ‏ظل‏ ‏مهملا‏ ‏لفترة‏ ‏كبيرة‏».

ومن جانبها، أقرت لجنة ضمت فريقا من الفنيين والأثريين المخالفات التي تعرض لها الجامع، ودعت إلى سرعة الاستعاضة عن الطوب الرملي الوردي بالآخر الأحمر، والإحجام عن استخدام الأول في بناء الجدران والعقود بما يتفق مع المبادئ الأساسية للترميم المعماري للأثر، إذ تقضي هذه المبادئ باستخدام نفس طرق ومواد الإنشاء المطابق للأصل الأثري، لضمان توافق الخواص الطبيعية والميكانيكية بين ما هو أثري أصيل وجديد مستحدث.