ثلث ضحايا الزواج القسري في ألمانيا من القاصرات

ينتشر بين العائلات التركية والعراقية

أظهرت دراسة حديثة تزايد نسبة الزواج القسري بين العائلات المهاجرة الى ألمانيا خاصة التركية والعراقية والصربية (الشرق الاوسط)
TT

يقول آخر تقرير عن التزويج القسري في ألمانيا، الذي قدمته وزيرة العائلة كريستينا شرودر إلى الصحافة، بعدم وجود إحصائية دقيقة عن نسبة أو عدد الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج. لأن نسبة الفتيات اللاتي تعرضن للتهديد بالقتل أو التعذيب، إذا رفضن الانصياع إلى رغبة الأب عالية، لكن نسبة الفتيات الصغيرات الصاغرات اللاتي أعلن موافقتهن في الحال خشية التعرض للأذى أعلى. ولا ننسى قبل قراءة هذا التقرير أن ما هو مطروح هنا هو ما سجلته منظمات عون القاصرات والمنظمات الإنسانية، والمعتقد أن هذا الرقم لا يشكل سوى قمة جبل الجليد. وفي أحسن الحالات فقد تمت إضافة بعض حالات البنات اللاتي تشجعن وطلبن المساعدة لدى عائلات صديقة أخرى، وليس عند المنظمات الإنسانية. ومن يسمع بأن أصغر النساء اللاتي وقعن ضحايا الزواج القسري كانت 9 سنوات، وأكبرهن سنا كانت 55 سنة، سيصاب بالغثيان فعلا. وإذا كان من الممكن استيعاب الضغط المسلط على فتاة عمرها 9 سنوات، فإن عقله سيرفض تصديق أن تقع امرأة عانس عمرها 55 سنة ضحية التزويج القسري. وهذا كله يجري في بلد أوروبي مثل ألمانيا، وبين عائلات جالية كبيرة جدا، هي الجالية التركية، وبين أفراد عائلات يعيش منها في ألمانيا أبناء الجيل الثالث من المهاجرين.

وقصص التزويج القسري «والقتل غسلا للعار» هي قصص مليئة بالعنف و«أعراس دم» التي تحدث عنها فيدريكو غارسيا لوركا في مسرحياته قبل 90 سنة بين سكان الأندلس. ويبدو أن على النساء أن يعشنها على الرغم من الفارق الزمني العظيم بحجج عائلية وأخرى اقتصادية مغلفة. فالتزويج القسري بين العائلات التركية لأسباب اقتصادية ومالية شائع جدا، لأنه وسيلة لاستقدام الناس إلى أوروبا، وطريقة «لتهريب» عمال المطاعم المهرة إلى أوروبا، وفوق كل ذلك أحيانا، يكون الزواج القسري «وهميا» لا تدفع ثمنه غير المرأة القاصر وأطفال الزيجة الوهمية.

ومعظم ضحايا الزواج القسري في ألمانيا يتحدرون من عائلات شديدة التدين حسب الدراسة. وأشارت الدراسة إلى أن 44 في المائة من ضحايا هذا النمط من الزواج، أو المهددين به يحملون الجنسية الألمانية، ونحو 95 في المائة منهم من النساء والفتيات، و30 في المائة منهن قاصرات. بلغت نسبة النساء الضحايا من عمر 13 سنة أو أقل 2.1 في المائة من المجموع، 14 - 15 سنة (6.6 في المائة)، 16 - 17 سنة (20.8 في المائة)، 18 - 21 سنة (41.7 في المائة)، 22 - 27 في المائة (19.5 في المائة)، أكثر من 28 سنة (10.3 في المائة).

وتنحدر النساء المقهورات من عائلات مهاجرة من تركيا أساسا، تليها في المرتبة الثانية صربيا، ثم كوسوفو، ثم مونتنيغرو ثم العراق. وفي حالة العراق فقد تم تسجيل نسبة مرتفعة من ضحايا التزويج القسري باستعمال العنف بين عائلات الطائفة الكردية الايزيدية. وسبق لشرطة مدينة كبيرة مثل كولون أن تدخلت بعشرات السيارات لفض حفلة زواج ايزيدية استخدم الضيوف فيها، بسبب خلاف حول مهر العروس، مختلف أنواع السلاح الأبيض والأسلحة النارية.

اعتمدت الدراسة التي بين أيدينا على بيانات 830 مؤسسة تقدم خدمات استشارية لضحايا الزواج القسري في جميع أنحاء ألمانيا. وواقع الحال أن هذا العدد هو عدد المنظمات التي ردت على استفسارات وزارة العائلة من أصل 1445 منظمة تلقت طلب منح المعطيات التي تتوفر لديها حول التزويج القسري. وهي منظمات إنسانية، بعضها كنسي، كانت تقدم الرعاية لنحو 3400 امرأة عام 2008، بالإضافة إلى بيانات من مدارس ومنظمات معنية بشؤون المهاجرين وحالات فردية أخرى. والمعتقد أن المنظمات التي امتنعت عن الرد كانت تحاول التكتم على أسماء ضحاياها أو تخشى التعرض لانتقام أهالي الضحايا.

وجاء في التقرير أن 44 في المائة من النساء ضحايا الزواج القسري هن من حملة الجنسية الألماني. ويبدو أن هذه الهوية الجديدة لا تحمي النساء من عنف «الهوية» القديمة التي ترفض الاندماج وتتعلق منذ أجيال بالتقاليد والأعراف السابقة في الوطن الأم. فمعظم هذه الحالات ناجمة عن أن «الأب» أو «الأخ» منح كلمته للطرف المقابل، وأنه لن يتنازل عن كلمته، وأن غسل هذا العار، لا يتم إلا بسفك دم البنت.

ارتبط التزويج القسري في 66 في المائة من الحالات بالعنف «الضروري» لإخضاع البنت إلى إرادة أبيها. الثلث تقريبا، أو بالضبط 27 في المائة، من النساء تعرضن للتهديد باستخدام السلاح. وكلهن تقريبا تعرضن لمحاولات إلحاق ضرر جسدي انتهى بخضوع البنت، وأكثر من النصف تعرض إلى الضرب الجسدي، بل وللتعذيب الجسدي أيضا. وبالنسبة لدوافع التزويج القسري الأخرى (غير كلمة الأب) فقد كانت هناك ارتباطات جرمية مختلفة (تهريب، مخدرات، تهريب بشر) في معظم الحالات. ثلث الضحايا اللاتي شملهن التقرير بحثن عن عون لدى المنظمات الإنسانية، ثلث آخر فضل البحث عن النصيحة بين العائلات الصديقة أو لدى المعلمات في المدارس، وامتنع الثلث الأخير عن أي مساعدة وخضعن للزواج القسري.

بين المنظمات التي تسهم بنشاط في تقديم العون للنساء المجبرات على الزواج هي منظمة «شهر الحنة» التي أسستها التركية سونيا - فاطمة بليز تيمنا بكتابها الشهير عن الزواج القسري الذي يحمل نفس الاسم. وقصة هذه المرأة (46 عاما) تصلح نموذجا للقصص التي تسردها الفتيات عن معايشتهن للحالة. فهي تنحدر من عائلة كردية تركية هاجرت إلى كولون عندما كان عمرها 9 سنوات. في عمر 19 سنة استدرجت لزيارة تركيا مع العائلة، وهناك أجبرت على الزواج من رجل من العشيرة لا تعرفه. هربت بعد العودة واختفت لسنوات، بسبب تلقيها تهديدات بالقتل من أبيها وزوجها، قبل أن تنجح في فرض حياتها من جديد على العائلة.

وتعلم سونيا - فاطمة البنات في منظمتها أن ينتبهن جدا حين تصحبهن العائلة في زيارة إلى الوطن، وأن يحذرن أكثر عندما يتلقين هدايا ثمينة دون مبرر مرة واحدة. وتعلمهن دائما أن يخبئن نسخا من وثائق سفرهن الألمانية في مكان سري، وأن يحتفظن بمبلغ صغير للطوارئ عند ظهور أي بادرة للضغط عليهن، وأن يحفظن عن ظهر أرقام تلفونات المنظمات الإنسانية في تركيا وألمانيا. ولن تنسى بالطبع تعليمهن اللجوء إلى السفارة الألمانية في تركيا عند الضرورة.

وذكرت سونيا - فاطمة لصحيفة «دي فيلت» أن 300 شابة تزور منظمتها سنويا بحثا عن المساعدة والنصح في كيفية مواجهة الزواج القسري. بعضهن كن يحملن معهن سلاحا للانتحار أو سم الفئران خلاصا من الحياة قبل أن يتلقين الإرشادات. معظم الباحثات عن العون هن من الدارسات في المدارس المتوسطة والإعدادية والمعاهد والجامعات، أي ممن يحملن من التعليم ما يؤهلهن لتكوين شخصيتهن المتميزة. مع ذلك ترى المرأة المتخصصة في شؤون الزواج القسري وجود بصيص أمل في الجيل الجديد من الأتراك الذين لا يودون التمسك بالأعراف البالية لأجدادهم من المهاجرين من الجيل الأول، الذي وصل أبناؤه إلى الأراضي الألمانية في مطلع ستينات القرن العشرين. تقول إن أعداد الشباب الذكور الذين يزورونها طلبا للإرشاد، لأنهم يريدون عصيان أوامر القتل التي يصدرها الآباء ضد أخواتهم الرافضات للزواج القسري، يرتفع. بعضهم يخشى من عواقب السجن والانتقام المضاد وبعضهم لا يود قتل أخته فقط لأنها ترفض الرجل الذي انتقاه والدها له.