«الزهراء».. أقدم محطة مصرية للحفاظ على الخيول العربية

أنشئت في عهد الملك فؤاد الأول.. وتقع على مساحة 50 فدانا

مجموعة من الخيول في «محطة الزهراء» («الشرق الأوسط»)
TT

للخيول العربية الأصيلة مكانة مرموقة في تاريخ العرب وتراثهم، وكان اقتناء الخيول الأصيلة والاهتمام بها في الماضي من أبرز مظاهر القوة والجاه والسلطان. وفي مصر، على المستوى الرسمي، كانت بدايات الاهتمام بالخيول العربية الأصيلة وتسجيلها وتأسيس المؤسسات التي تعكف على رعايتها في القرن التاسع عشر الميلادي، حين جُلبت إلى مصر، جملة من أنقى سلالات الخيول من شبه الجزيرة العربية، وكانت أسرة محمد الحاكمة في مصر يومذاك، في طليعة المهتمين بالخيول العربية.

وفي عام 1908، كلف قسم تربية الحيوان في «الجمعية الزراعية الملكية» المصرية بالمباشرة في تربية الخيول العربية الأصيلة، ثم في عام 1928، إبان عهد الملك فؤاد الأول، جاء إنشاء «محطة الزهراء لتربية الخيول العربية الأصيلة» والحفاظ على أصالة أنسابها، ليكون التكريس الرسمي الأول لهذا الاهتمام الملكي.

وتتلخّص مهام «محطة الزهراء»، التي تقع على مساحة 50 فدانا في ضاحية عين شمس القاهرية، في تجميع كل الخيول الموجودة في مصر وتربيتها في بيئة مشابهة لظروف الحياة الطبيعية، وكذلك عمل سجلات لهذه الخيول وأنسابها حيث أصبح هناك عائلات للخيول موجودة حتى الآن وتضم أسماء الخيول وأنسابها، وبناء عليه، يصار إلى وضع خطط لتربية الخيول للحفاظ على السلالات.

الدكتور حلمي السداوي، المشرف العام على «محطة الزهراء»، التي تضم حاليا نحو 450 حصانا وفرسا من أنقى سلالات الخيول العربية، يقول شارحا: «هذا المكان هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن تسجيل الخيول في مصر، ولكن يوجد في مصر أكثر من 400 مزرعة تضم نحو 6 آلاف حصان، إلا أن نواتها جميعا من هذا المكان، حيث تقوم (محطة الزهراء) بالإشراف على الخيول الموجودة في مصر بالكامل. فلكل مزرعة سجل خاص بها في المحطة، وفيه يجري تسجيل أي ولادات جديدة، أو أي عمليات بيع أو شراء داخل كل مزرعة، وبالتالي فإن تربية الخيول العربية في مصر تعد عملية منظمة جدا».

من جهة ثانية، تستعين «محطة الزهراء» بعدد من المهندسين الزراعيين لوضع أنظمة غذائية للخيول، إذ يتكلف الحصان الواحد ما يقرب من 1000 جنيه مصري (150 دولارا أميركيا) شهريا كمصاريف للتربية والأكل والإقامة داخل المزرعة، بخلاف الرعاية البيطرية. واليوم يوجد في مصر عدد غير قليل من هواة اقتناء الخيول العربية الأصيلة، وهم بلا شك من الأشخاص القادرين ماديا على شراء ورعاية الخيول ودفع تكاليف إقامتها ورعايتها الصحية باستمرار. ومن هؤلاء من يفضل شراء خيول وإيداعها في إحدى المزارع، ودفع تكاليف إقامتها ورعايتها الصحية هناك، في حين يفضل آخرون إنشاء مزارع خاصة بهم، والاستعانة بأطباء بيطريين وسياس ومهندسين زراعيين يختارونهم بأنفسهم للإشراف على مزارعهم. ولا بد من الإشارة أيضا، إلى أن هناك عائلات تهتم بالخيول العربية بالوراثة، أي جيلا بعد جيل.

وعلى صعيد آخر، تنظم «محطة الزهراء» في مصر مهرجانا دوليا سنويا للخيول العربية الأصيلة تشارك فيه خيول عربية من مختلف الدول، ويجري خلاله تنظيم مسابقة لاختيار أجمل الخيل في المهرجان، وتنظم المحطة مزادين في العام لبيع الخيول وشرائها. ومن الأنشطة الأخرى التي تنظمها المحطة «مهرجان الفروسية الشعبية»، الذي يهدف إلى تدريب الخيل على عمل حركات على الموسيقى، ناهيك عن توفير الرعاية الطبية للخيول.

إيمان أحمد، وهي طبيبة بيطرية بالمحطة، قالت لـ«الشرق الأوسط» في حوار معها: «يتراوح أعمار الخيول هنا بين 20 و30 سنة، وبالتالي فهي من الحيوانات المرفهة التي لا تربي لأهداف تجارية، وهي تتمتع برعاية طبية يومية، مع الإشارة إلى أن الخيول تعاني من أمراض تشبه إلى حد كبير الأمراض التي تصيب الإنسان، ومن أهمها أمراض الجهاز الهضمي حيث يعد انسداد الأمعاء أو التصاقها من أكثر الأمراض شيوعا لدى الخيول. كذلك فإن الخيول من الكائنات الحساسة وتتعامل مع مدربيها بالحب، ولا بد من مراعاة نظافة وتعقيم أدوات الطعام للخيل».

ويقول سعيد محمد، وهو «سايس خيل» في المحطة، موضحا طبيعة عمله: «كل سايس في المزرعة يكون مسؤولا عن 5 خيول بصفة يومية، كما يتوجب وجود مجموعة من السيّاس يوميا على امتداد الـ24 ساعة». ويشرح سعيد أن يومه كـ«سايس»: «يبدأ مع الخيول اعتبارا من السابعة صباحا حيث يتولّى تنظيف الخيول جيدا، وبعد ذلك يخرج بها إلى الملعب لتناول الإفطار. ثم تبدأ الخيول في السير يوميا لمدة ساعة لتنظيم عملية الهضم، ثم في الساعة الثانية ظهرا تتناول الخيول وجبة الغداء».

ويتابع سعيد حالات الولادة، ويقوم بإبلاغ الإدارة عنها لرعايتها، ومن خلال رحلته طوال عشرين سنة في تربية الخيول العربية الأصلية داخل «محطة الزهراء»، وخبرته مع الخيول العربية الأصيلة، يقول سعيد: «الحصان العربي الأصيل حيوان ذكي جدا، وعنده كرامة واعتزاز بالنفس، وبالتالي لا يحب أن يُهان، كما أنه سريع الفهم، ومن هنا تأتي ضرورة تحلّي كل من يتعامل معه بالصبر والهدوء. أضف إلى ذلك أن الحصان العربي ودود جدا ويحب صاحبه ويألف كل من يتعامل معه ويتذكر جيدا كل مَن يراه».