شارع الحمراء يحتفل بـ«عيد اللبنة» ويهديه نشيدا

طبق يتفق عليه اللبنانيون بكل أطيافهم السياسية والثقافية

الفكرة من بنات أفكار ربيع معوض صاحب المطعم والملقب بـ«ملك اللبنة»، وقد استحدثت هذه المناسبة منذ عام 1983 عندما كانت «اللبنة» الطبق الأكثر شيوعا أثناء الحرب اللبنانية («الشرق الأوسط»)
TT

لطبق «اللبنة» عيده في لبنان لا يعرفه الكثيرون لأنه يجري دون طبل وزمر وحتى دون الإعلان عنه ولكنه يستقطب شريحة لا يستهان بها من الشباب اللبناني الذي يتوجه في الحادي عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام إلى شارع الحمراء في بيروت وبالتحديد إلى مطعم «زيكو هاوس» للاحتفال بالعيد والمشاركة في المسابقة التي تقام خلاله والتي يتم فيها انتخاب «الطبق ملك الشكل» من بين عدة أطباق مشاركة فيها.

الفكرة من بنات أفكار ربيع معوض صاحب المطعم والملقب بـ«ملك اللبنة». وقد استحدث هذا العيد منذ عام 1983 عندما كانت «اللبنة» الطبق الأكثر شيوعا في تلك الفترة من الحرب اللبنانية التي كانت تجمع حولها اللبنانيين من جميع الطوائف والمذاهب لأنها من الأكلات اللبنانية التي يتربى عليها اللبناني منذ نعومة أظافره ولا يخلو منها أي بيت، فتشكل السلعة الثانية التي يشتريها رب المنزل لأفراد عائلته بعد الخبز والتي لا يمكن الاستغناء عنها.

ويقول ربيع معوض في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه من المدمنين على تناول «اللبنة» يوميا وإن عددا من أصدقائه يشاركونه هذه العادة فلذلك قرر عام 1983 أن يبتكر عيدا خاصا بها لإبراز أهميتها على المائدة اللبنانية من جهة ولتكريمها من جهة أخرى، لكونها الطبق اللبناني الوحيد الذي يتناوله الجميع دون استثناء مهما اختلفت آراؤهم السياسية أو الدينية. ويقول: «يأتي الشباب اللبناني من جميع المناطق اللبنانية يحملون معهم أطباق اللبنة المنوعة ليدخلوا بها المسابقة وفي كل مرة يبتكر أحدهم طبقا جديدا من اللبنة المخلوطة مع الزيتون أو الفلفل أو النعناع أو البندورة وغيرها من الخضار ليفوز أحدهم في نهاية المسابقة بالطبق الأكثر جمالا إن في الشكل أو في الطعم أو في الفكرة».

ويعتبر «عيد اللبنة» تقليدا سنويا يحافظ ربيع معوض وصديقه مصطفى الذي كان أول مشجعيه للقيام بهذه الخطوة على الاحتفال به ضمن دائرة من الأصدقاء الذين صاروا يلبون الدعوة لحضور الاحتفال الذي تتخلله وصلات موسيقية لبنانية لزياد الرحباني وفيروز ووديع الصافي حاملين معهم ما لذ وطاب من أطباق اللبنة البلدية والمكعزلة (المصنوعة من لبن الماعز) والمعلبة والمثومة التي يأكلونها مع الخبز المحمص أو المرقوق أو مع الخبز اللبناني المعروف بالـ«كماج».

لما بويز إحدى المشاركات في المسابقة أكدت أنها لا تفوت هذه المناسبة كل عام خصوصا أن اللبنة من أطباقها المفضلة وتقول: «إنها الأكلة التي أتناولها كمسك الختام لأي وجبة طعام أخرى عند الصباح أو الظهر أو المساء»، وأضافت «حتى عندما أكون مريضة يبقى صحن اللبنة الوحيد الذي في إمكاني تناوله دون أن أشعر بأي ضرر في معدتي».

أما الطبق الذي احتل المرتبة الأولى في المسابقة هذا العام فحمل اسم «لبنة الرعب» الذي أعدته الصبية هبا غزالي بنفسها والذي غطته بالزيتون المطحون وزينته بالفلفل الأحمر على شكل قناع مخيف فاستحقت الفوز.

ومن أصناف اللبنة المشاركة في المسابقة أيضا اللبنة مع البطاطا واللبنة مع قطع الخيار الصغيرة واللبنة مع الزعتر وكذلك اللبنة مع البطيخ واللبنة مع رقائق البطاطا (التشيبس) التي صارت بمثابة أحدث صرعة لتناول اللبنة لدى تلامذة المدارس وطلاب الجامعات.

ويقول ربيع معوض إن الفائز لا يحصل على جوائز تذكر بل يقدم له من قبل المطعم منظم المسابقة عروض حسم أو دعوات مجانية إلى العشاء أو الغداء يتشارك بها مع أصدقائه، مشيرا إلى أن الهدف من المسابقة ليس الفوز بجوائز مادية قيمة بل إلقاء تحية لطبق اللبنة وتكريمه ولو مرة في السنة رغم أنه يشاركنا حياتنا اليومية بانتظام.

والمعروف أن اللبنة هي أكلة لبنانية تندرج ضمن لائحة مشتقات الحليب واعتاد اللبنانيون صنعها في المنازل عن طريق اللبن الذي يوضع في أكياس من القماش (الخام) وتترك لفترة 24 ساعة تتدلى في الهواء حتى تتصفى من كمية المياه التي في داخل الكيس لتصبح فيما بعد اللبنة. ومن ثم تطورت صناعة اللبنة إلى أن أصبحت تحضر في مصانع خاصة بها يملك لبنان المئات منها.

ويتفنن البعض في تناول اللبنة مع الحمص المسلوق أو مع الأرز أو مع الخل الأبيض وكريما الحليب لتصبح شبيهة إلى حد كبير بالـ«ساور كريم» التي عادة ما تؤكل مع اللحم أو البطاطا.

وكان جديد المسابقة هذا العام نشيد خاص باللبنة كتبته ولحنته مجموعة من الشباب المشاركة فيها ويقول: «بعيد اللبنة حبيبي حبني مرقت السهرة وما ادريت وهوي يغازلني وهوي يسايرني تندمت عالساعة اللي جيت.. بعيد اللبنة حبيبي حبني».. في إشارة إلى مدى تعلق الشباب باللبنة التي عندما يأكلونها ينسون هموم الدنيا وما فيها للذة طعمها. والطريف في الموضوع هو الفقرة التي تتخلل المسابقة والتي يروي فيها كل شخص يحضرها ماذا تعني له اللبنة ولماذا يحبها وكذلك يقص البعض قصصا يتذكرونها سبق أن خاضوها في مناسبة ما مع اللبنة إن في السفر أو في القرية على شاطئ البحر أو في المدرسة ويكون عنوانها «سندويش اللبنة».

وينوي ربيع معوض أن يجعل من العيد مناسبة شعبية ووطنية، كما قال، تتنقل ما بين المناطق اللبنانية للوقوف على أخبار الناس مع هذا الطبق الذي لا يمكن أن تخلو منه المائدة اللبنانية العريقة.