شاعرة سكندرية تكسر نمطية التلقي بديوان شعر على طريقة «الكوميكس»

طبعته على ورق طبي حتى لا يؤذي ملامس القراء

غلاف الديوان («الشرق الأوسط»)
TT

في محاولة لكسر نمطية عملية التلقي للشعر، أصدرت الشاعرة السكندرية أماني سعيد محفوظ أحدث ديوان شعري لها بعنوان «لاعبيني وألاعبك»، وذلك بطريقة «الكوميكس»، التي تعتمد على مصاحبة الحدوتة المرسومة للشعر.

وبروح الكوميديا السوداء، جاءت قصائد الديوان الأربع والعشرين الممزوجة برسومات الكوميكس، لتعبر عن مواضيع تمس حياة المواطن المصري اليومية، سواء قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أو بعدها، وما كان يتعرض له من ظلم وقهر. فنجد مأساة المصريين تتجسد في قصائد «أنا والغفير»، «ساعة تروح وساعة تيجي»، و«الأسباب»، أما عن سلوكيات المصريين السلبية فعبرت عنها في قصائد «العجين»، و«آمين»، و«غزوة بغال» التي تتحدث عن موقعة الجمل، أما القصائد المتفائلة بمصر الجديدة فمنها «لو حتى حلم» عن فتاة قعيدة تحلم بأن تغادر كرسيها وتتأمل بنظرات مؤثرة كل ما حولها، «خريطة الجن الأزرق»، «وقفة واحدة» عن دخول الإنسان مرحلة الشيخوخة. وفي قصيدة «يا مهلبية يا» استخلصت الشاعرة كل المفردات العامية التي تخرج عن كلمة المهلبية التي تعكس من خلالها واقع المجتمع المصري، ومنها «مهلباتية، مهبلاتية، ومهلباتية، ومهلل لاتية».

أما عنوان الكتاب فهو مأخوذ عن قصيدة «لاعبيني وألاعبك» التي تتناول فيها الشاعرة معاني الطفولة الجميلة ببراءتها وصفائها، وسردت خلال القصيدة مسميات ألعاب الأطفال الشعبية القديمة، ومنها «كيكة ع العالي»، «والدبة وقعت في البير»، و«كلوا بامية» واختتمت الديوان بكلمة «كاتش»، وهي كلمة كانت تقال وتعني نهاية لعبة الاستغماية.

خرج الديوان الجديد في 120 صفحة عن دار «العين» بالقاهرة، وفي حجم جديد، وتمت طباعته على ورق «أزوريه» وهو طبي لا يؤذي من يلامسه.

وحول استعانتها بهذا النوع من الفنون الأدبية في ديوانها، قالت أماني لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر بالفخر لاقتحامي هذا المجال، فلم يسبقني أحد على مستوى الوطن العربي أو الغربي في فكرة عمل كتاب شعر كوميكس، حيث إن الاتجاهات كلها كانت قائمة على الروايات. والكوميكس هي القصة المصورة أو المرسومة، وغالبا ما تكون عبارة عن مجموعة صور في شريط واحد يحتوي على عدة إطارات أو كادرات، وهو ما يسمى استريبس وتروي هذه الصور أو الرسوم أحداثا مترافقة مع نص حوار الشخصيات والكلام داخل دوائر». وتضيف: «استعنت به كفن أدبي مميز يعتمد على السرد القصصي ويعرف بالفن التاسع، حيث سبقته ثمانية أنواع أخرى من الفنون، وفقا لتصنيف اليونان القدماء (الإغريق) الذين صنفوا الفنون الستة، وهي العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، وحديثا أطلقت تسمية الفن السابع على السينما، يليها تسمية الفن الثامن على التصوير الفوتوغرافي، وأخيرا الفن التاسع الكوميكس».

تتابع أماني: «ما دفعني للاستعانة بالكوميكس لغتها البصرية من بالونات، إطارات، ومسافات بين الإطارات، وهي ما تعطي إحساسا بمرور الزمن بين لقطة وما يليها، وهو ما يميز ذلك الفن منذ ظهوره في القرن التاسع عشر. وأثناء بحثي عن بدايات هذا الفن وجدت أنه ظهر على جدران معابد المصريين القدماء وأيضا عند الرومان. ولكنه بدأ بشكله الحالي في القرن العشرين حينما أصدرت مجلة أميركية ستريبس لا يتجاوز صفحة أو صفحة ونصف الصفحة، وكانت عبارة عن مقالب مضحكة وتنتهي بموقف مضحك أو مفارقة».

وتذكر الشاعرة أن هذا الفن بدأ في الوطن العربي في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات على يد شركة لبنانية، وكانت شخصية «استيف أوستن» من أشهر الكوميكس التي نشرت في ذاك الحين. وفي مصر اهتمت «دار الهلال» بالكوميكس وأصدرت مجلتي «سمير» و«ميكي»، وقد لاقت «ميكي» من الشهرة ما جعلها موجودة حتى يومنا هذا ولكن تصدرها الآن «دار نهضة مصر».

وتروي أماني سر تعلقها بالكوميكس: «بالنسبة لي الكوميكس هو وسيط مصور يمزج بين الكتابة والرسم لسرد قصة ما، وذلك ما كنت أقوم به في مشروعي السابق (على باب الدكان) التي لاقت نجاحا أكبر حينما دخل عنصر الرسم بريشة الفنان الكاتب ماهر شريف، مع الكلام، فجذب عددا أكبر من القراء.. والكوميكس لها شعبية كبيرة جدا في الغرب عنها في الشرق، إلا أنني أرى أنها في الفترة المقبلة ستحقق شعبية كبيرة في مصر، مما سيجعل القارئ يبحث عنها ويهتم بها».

وتنبه أماني إلى أن «الكوميكس يأتي وسط زخم الدراما التي تُقدم بالصوت والصورة لتثبت كم هي جديرة بالاحترام، وكم لها من تأثير يستحق التفكير فيه، ونحن الآن نعيش في زمن الرموز والإشارات، مما يؤكد أهمية الكوميكس، تلك التي تعكس بدورها ذوق الشعوب وطريقة تفكيره واتجاهاته.. وكم من رسوم مصورة بهذا الشكل كان لها من التأثير على السياسة والساسة، وهو ما نراه جليا قبل وبعد ثورات الربيع العربي».

وتستكمل أماني: «منذ صغري تعلقت برسوم الفنان العظيم بيكار وكلامه المصاحب للرسم، وعلى الرغم من أنني لم أكن أفهم المغزى لصغر سني، فإنني أحببته وكنت أقوم بقصه وتجميعه، وحينما بدأت أكتب كنت أرسم رسوما بسيطة مع كتاباتي.. وفي مرحلة ما من عمري تعلقت بمجلة اسمها (سمر) يعرفها فقط جيل الثلاثينات، وهي عبارة عن مجموعة مشاهد سينمائية داخل كادرات وعليها الحوار، وكانت لها شعبية كبيرة في ذلك الحين، وتمنيت أن يكون كل كتاب أصدره عندما أكبر يكون مرسوما، حتى وفقت في اللقاء بالفنان أحمد سالم الذي حقق كثيرا مما كنت أتمناه لكتابي هذا الذي طبعته على نفقتي الخاصة ليخرج بالصورة التي أردته عليها دون تحكم من دار نشر».

وحول خروج الفكرة إلى النور، تقول «قمنا بعمل جلسات عمل تبادلنا فيها الأفكار، ثم بدأ أحمد في جمع صور عالمية لرسامين عالميين ممن أحببنا رسوماتهم جميعا، والتي خرجت من أيديهم على مر السنين، ومنهم: سلسلة (كلاسيك إليستريشن)، و(جوساكو)، و(هيرجيه)، و(مارجان ساترابي)، التي تتضمن رسومات لشخصيات معروفة مثل: (أليس) و(تان تان)، وبصراحة شديدة لم نجد نحن الاثنان أفضل وأنسب من تلك الرسوم لتعبر عن كلامي وتتسق معه بصورة كبيرة».

وتؤكد: «بعد أن ذقت حلاوة تصوير وتقديم قصائدي بهذا الشكل، أعتقد أنني لن أتخلى عن فكرة الرسم داخل كتبي كما كنت أحلم، وأعتقد في الكتاب المقبل سأستعين بفنانة لتقديم عمل فني بروح أنثوية».