مهرجان التحطيب يزين ساحة معبد الكرنك في الأقصر

جذب السياح ورافقته عروض لفرق الفنون الشعبية بصعيد مصر

مهرجان «التحطيب القومي» في دورته الخامسة يزين ساحة معبد الكرنك في الأقصر («الشرق الأوسط»)
TT

على أنغام الربابة والمزمار البلدي ووسط ساحة معبد الأقصر، أحد أهم المعابد الفرعونية المصرية، عاشت مدينة الأقصر (جنوب مصر) عرسا شعبيا من خلال مهرجان «التحطيب القومي» في دورته الخامسة، وهو الفن الذي تضرب جذوره في التاريخ المصري القديم، وخلده الفراعنة في نقوشهم ورسومهم الموجودة على جدران المعابد والمقابر.

ويعد فن التحطيب (المبارزة عبر العصي الخشبية)، أحد الفنون الشعبية المرتبطة بصعيد مصر وتعود جذور هذا الفن إلى الفراعنة كما هو منقوش ومدون على جدران المعابد الفرعونية والمقابر الأثرية وهو فن شعبي تراثي يعبر عن البيئة المصرية الخاصة بجنوب مصر، وهو من الألعاب التي تشجع على الفروسية والمهارة في القتال وتعلم لاعبيها الكثير من الخصال الحميدة، وهو فن له قواعده وأصوله الصارمة التي لا بد من تعلمها جيدا قبل حمل العصا.

يستخدم في التحطيب العصي الخشبية، ويشكل أحد الاستعراضات التي تقام في الأفراح والأعياد الدينية في ريف مصر وصعيدها كنوع من التراث الشعبي، وقد سميت بالتحطيب لأنها تلعب بالحطب أو العصي الغليظة.

أقيم المهرجان الذي يختتم أعماله اليوم (الأربعاء) على مدى أسبوع تحت رعاية الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة والدكتور عزت سعد محافظ الأقصر بحضور عدد كبير من لاعبي ومدربي التحطيب من محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر بواقع 6 لاعبين ومحكم من كل محافظة، كما قام بإخراج اللوحات الاستعراضية المصاحبة المخرج الفنان عبد الرحمن الشافعي.

وشهد افتتاح المهرجان حضور عدد كبير من السائحين الذين يحرصون على مشاهدة هذه اللعبة التراثية الشهيرة في صعيد مصر. وأقيمت على هامش المهرجان عروض لفرق الفنون الشعبية بالأقصر وملوي وأسيوط وقنا، كما شهد المهرجان ورشة تدريبية لتعليم فنون التحطيب أشرف عليها مجموعة من مدربي الفنون الشعبية بالصعيد، وذلك تمهيدا للمسابقة الدولية الأولى للعبة العصا التي تنظمها الهيئة في العام المقبل ولأول مرة في تاريخ مهرجانات التحطيب سيتم نقل مباشر لفعاليات المهرجان على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».

وأشار عبد الحكم عبد ربه مدير عام فرع ثقافة الأقصر إلى أن هيئة قصور الثقافة قامت بإعداد وطباعة كتيب عن لعبة التحطيب يتناول «تاريخها، أصولها، مناطقها الجغرافية»، وتم توزيعه على جمهور المهرجان.

وأوضح عبد ربه أن المصريين القدماء كانوا يستخدمون بدلا من العصي الخشبية لفافات البردي الكبيرة حتى لا يصاب المتبارون بالأذى، وكان اللاعب يستخدم لفافتين بدلا من واحدة بالإضافة للخلفية الموسيقية. ثم جاء تطور التحطيب باختزال اللفافتين في واحدة ثم تحويلها إلى عصي بتطور استخداماتها في مجال الدفاع عن النفس.

وفي الأدب المصري القديم، لا ينتمي التحطيب الطقوس الدينية وإنما يعد طقسا من طقوس العادات والأعراف الاجتماعية التي تحتفي به خاصة المناسبات السعيدة. ورغم محلية التحطيب، إلا أنه كان نبعا ارتشفت منه كثير من الحضارات مثل الكيندو الياباني والمبارزة القديمة التي انتشرت في معظم الحضارات الغربية، والتي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني.

يقول درويش، وهو شاب جامعي، وأحد اللاعبين البارزين في المهرجان: «تعلمت فن التحطيب وأنا صغير، وما زلت أعشقه وأتفنن في اللعب بالعصا، وحين أدخل في اللعب أحس بخفة جسدي، وبأنني كاد أطير».

ويشير درويش إلى أن التحطيب متعة روحية في المقام الأول، تساندها مهارات الجسد واللعب، كما أن العصا ليست رمزا للعدوان والقوة، ولكنها رمز للمحبة، وأداة لحفظ الحقوق وإقرار السلام والتمسك بالنبل والشهامة، فمنذ القدم وحتى الآن والعصي رفيق الفلاح في عمله ورفاهيته فهي رفيق لا يعرفه، ولا يحظى به ساكن المدينة.

ويخلص درويش على ما يقدم المهرجان، هو الروح الحقيقية للتحطيب المصري الذي يعتبر رياضة لها أخلاقيات خاصة، فعلى الرغم من اعتمادها على الهجوم والدفاع وفكرتها القتالية، فإنها تدعو إلى التسامح والإخاء، كما أنها تعبر عن كرامة ابن الصعيد وشهامته.