تونس: ذوو الاحتياجات الخاصة.. قضايا إنسانية تنتظر الحلول

سميحة بنت رجب معاقة من «بنات القمر».. تحتاج لفستان مكيف بـ1500 يورو

TT

حسب آخر المعلومات الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس، فإن عدد أصحاب الاحتياجات الخاصة (المعاقين) ممن يحملون بطاقة يصل إلى 208465 معاقا، وهناك آخرون لا يعرف عددهم، ولا سيما في المناطق الداخلية لا يزال ذووهم ينتظرون المساعدة في ظل غلاء المعيشة وازدياد نسب البطالة (نحو مليون عاطل عن العمل).

وإذا كان أصحاب الاحتياجات الخاصة داخل المدن قد أقيم لهم مراكز لتأهيلهم (ليسوا جميعا) فإن نظراءهم في المناطق الداخلية للبلاد ولا سيما سكان الأرياف يمثلون معاناة شديدة لذويهم تخفف من حدتها مشاعر الرأفة والقرابة ولكنها لا تمحوها.

ويأمل أصحاب الاحتياجات الخاصة، ومن تعرضوا لحوادث أحالتهم إلى قائمة المعاقين، من الحكومة الجديدة، تمكينهم من رواتب شهرية مجزية، أو رخص نقل، أو رخص تجارية يؤجرونها من أجل توفير العيش الكريم، مع تحسين ظروف السكن، إذ إن الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة من أسر فقيرة جدا، تسكن في ما يشبه الأكواخ ومساكنهم لا تتوفر فيها الحدود الدنيا من الضرورات، فضلا عن وجود خزانة للملابس، أو ثلاجة، وأحيانا لا يتوفر النور الكهربائي، ومكان للصرف الصحي، ولا سيما أن القائمين عليهم يخشون عليهم من الضياع والهلاك في حال فارقوا هم الحياة.

«الشرق الأوسط» زارت بعض أصحاب الاحتياجات الخاصة في منازلهم ليتحدثوا بأنفسهم عن معاناتهم ومعاناة ذويهم، كما استمعت إلى أقوال ذوي من لا يقدرون على الكلام. ومن بين من استمعت إليهم بمساعدة آخرين، عاطف بن السيد السبري (33 سنة) الذي يشكو من الإعاقة في يديه، أي إعاقة جسمية وذهنية.. «والدي مريض (60 سنة) منذ 10 سنوات، ولا يتلقى سوى 70 دينارا (نحو 35 يورو) شهريا، ويتناول الدواء باستمرار، وأنا عاطل عن العمل، سوى الصلاة في المسجد، صلاتي الظهر والعصر». من بين ما يحلم به عاطف إلى جانب الحصول على راتب أو رخصة نقل أو رخصة تجارية هو الزواج.. «لو كنت معافى لتزوجت ولأنجبت أطفالا»، وضرب مثلا بضرير ويده مقطوعة.. «متزوج وله أطفال لأن لديه مورد رزق، وعندما أحصل على راتب أو رخصة سأتزوج أنا أيضا».

وهناك معاقون لم يولدوا وهم من أصحاب الاحتياجات الخاصة، وإنما بسبب تعرضهم لعوامل الطبيعة، أو حوادث المرور، ونتيجة للفقر وقلة ذات اليد لم يعالجوا في الوقت المناسب فرافقتهم تلك الإعاقة، ومن بينهم بشرى بنت الهادي (55 سنة) تعرضت للشمس في صغرها فأصيبت بإعاقة ذهنية، تعيش مع أختها، بعد أن كانت تقيم مع أمها التي توفيت. ويتكفل زوج أختها بتكاليف العلاج والإعاشة، ولكن البعض يتساءل: إلى متى؟

ومن بين من يعانون من الإعاقة من الأطفال محمد بن رشيد (20 سنة) وإعاقته عضوية على مستوى الرجلين، كما أن إحدى يديه ناقصة الطول، ولضيق ذات اليد انقطع عن التعليم في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، واليوم يتنقل على كرسي متحرك بين البيت والمقهى ولم يتلق أي تأهيل يذكر سواء على المستوى الصحي أو الاجتماعي كأن يتعلم صنعة تناسب ظروفه الصحية، وكل أمله أن يصبح إنسانا منتجا ومفيدا للمجتمع وليس عالة عليه. وكغيره من أصحاب الاحتياجات الخاصة يقترح حصوله على رخصة نقل أو رخصة تجارية أو ما شابه، لا سيما أنه لا يتمتع بأي مساعدة من الدولة.

ومن الحالات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» حالة سيف الدين بن الصحبي المهدواني (10 سنوات)، يشكو من تشوه في القدم اليسرى تؤلمه أحيانا وتعطل حركته، وبالتالي لا يستطيع اللعب بكرة القدم مع أقرانه في كل الأحوال، وهو في حاجة للمعالجة كما أنه في حاجة للمساعدة الاجتماعية، يعيش مع جده لأن والده يعمل حينا ويحال إلى البطالة حينا آخر.

أبناء وبنات القمر، هم الذين لا يطيقون العيش في الحر، ويحتاجون لملابس خاصة، سميحة بنت رجب الفطناسي (21 سنة) واحدة منهم، يقول والدها (عامل بناء) «تتعاطى الأدوية، ومصابة بإعاقة ذهنية، ولا تستطيع الخروج للشمس ونحتاج معها لسعة البال وتناول الدواء»، ويتابع «لا تتلقى أي مساعدة من الدولة، فهناك تسويف باستمرار ولا سيما أنها في حاجة لمسكن تتوفر فيه احتياجاتها من البرودة والتهوية»، وأفاد بأنه يضطر صيفا إلى نقلها للمستشفى لتظل هناك حتى تنخفض درجة الحرارة في البلاد.. «ليس لدينا الطاقة الشرائية لاقتناء مكيف هواء وغير ذلك من اللوازم مثل كسوة بثلاثة آلاف دينار (نحو 1500 يورو)»، ويطالب والدها رجب (57 سنة) بتحسين المسكن وتوفير مورد رزق لها أو راتب شهري.

المشكلة الكبرى هي عندما يكون في البيت الواحد (وغالبا ما يكون غير صالح للسكن الصحي، ويفتقد للضرورات الدنيا) أكثر من معاق، كما رأينا في بيت سعد بن الطيب (70 سنة) وآخرين.. «نحن نعولهم قدر المستطاع ما دمنا أحياء، ولكن يحدونا الأمل في أن نموت ونحن مطمئنون على مصيرهم».