تونس: من خشب الزيتون.. يصنعون أجمل التحف

المستثمرون يعتمدون على خريجي المعاهد العليا للفنون الجميلة

عصام الجمل بين تحفه وأدواته التقليدية («الشرق الأوسط»)
TT

شجرة الزيتون تعتبر بالنسبة للكثير من الناس شجرة مباركة تنتج وتوفر ما لا توفره بقية الأشجار، زيتها يشع مثل النور، وظلالها وارفة تقي الناس حر الصيف، وصناعة تقليدية حيث يقول أهل الاختصاص إن عود الزيتون وجذوعه القوية ليس لها مثيل في صنع الأواني والتحف الكثيرة.

ففي تونس يعرف قطاع الزيتون حركة غير مسبوقة من خلال اقتلاع أشجار معمرة قد يتجاوز عمر البعض منها الألف سنة وحان وقت تشبيبها بأشجار زيتون نضرة تكفل أفضل الإنتاج للأجيال المقبلة. ففي فترة قصيرة وبالنظر لأهمية خشب أشجار الزيتون أصبح جزءا مهما من الصناعات التقليدية يعتمد على مخلفات قلع أشجار الزيتون، ويشترى البعض منها بأعلى الأسعار لجودة صناعتها ولارتفاع الأسعار التي تباع بها ولإقبال التونسيين والزائرين لتونس على تلك الصناعات التي تمثل تحفا من النوع الجيد قلما تجد لها مثيلا في بقية الصناعات التقليدية.

ففي مناطق إنتاج زيت الزيتون تنتشر هذه الصناعة بكثافة ويتقنها الكثير من الحرفيين انتشروا بشكل خاص في منطقة سيدي بوزيد، موطن الثورة التونسية، وفي منطقة صفاقس العاصمة التقليدية لإنتاج زيت الزيتون. ومن بين 14 ألف حرفي ينشطون في قطاع الصناعات التقليدية بولاية سيدي بوزيد (265 كلم عن العاصمة التونسية)، هناك قرابة 45 مشروعا يستثمرون خبراتهم في مجالات صناعة خشب الزيتون.

ويعد اختصاص خشب الزيتون، حسب خبراء في مجال الصناعات التقليدية، من أهم الاختصاصات الواعدة، حيث بلغ عدد المؤسسات الناشطة فيه أكثر من 19 مؤسسة منها 5 مؤسسات مصدرة كليا بطاقة تشغيلية تقدر بنحو 200 عامل وتحتضن ما يفوق 100 متربص ومنتدب.

ولتأكيد أهمية هذا الاختصاص، فقد بلغت صادرات سيدي بوزيد من خشب الزيتون أكثر من مليون دينار تونسي (نحو 700 ألف دولار أميركي) وذلك عام 2010 دون اعتبار عمليات الترويج واقتناءات السياح لهذا المنتج والمغازات في المناطق الساحلية والسياحية المتأتية بشكل خاص من وحدات الإنتاج والحرفيين العاملين هناك.

وفي هذا المجال تقول هاجر الهرابي (صاحبة شركة خشب الزيتون) إنها تشغل ما لا يقل عن 60 تونسيا بين نساء ورجال، وتقدم فرصة التدرب لـ15 شخصا، وقد انطلقت في النشاط في مجال خشب الزيتون منذ عام 1994 عن طريق الشراكة مع مستثمر فرنسي، وتشارك دوريا في العديد من المعارض الوطنية والدولية، وبخاصة في فرنسا، حيث نجحت في التعريف بالمنتج التونسي على أوسع نطاق.

وتضيف الهرابي إنها لا تزال تعتبر هذا النشاط اختصاصا نادرا وتمارسه على أساس الهواية وحب الإبداع في مجال بكر. وهي مثل سائر التونسيين والسياح تندهش لما تتقنه اليد البشرية من أدوات وتحف وهدايا قلما تجد مثيلا لإحداها، فمجال الحرفة التقليدية يوفر فرصة إبداع حقيقية أمام اليد البشرية. وترى الهرابي أن منطقة سيدي بوزيد يمكن أن تمثل لاحقا قطبا لصناعة خشب الزيتون، وهي تسعى إلى توسيع نطاق المشروع لتتمكن من استقطاب أيد عاملة إضافية والرفع من قدرة مؤسستها الإنتاجية لتلبية الطلبات في عديد من الدول الأوروبية من بينها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية.

أما الشاب كمال الغانمي فقد حصل على قرض بقيمة 4 آلاف دينار تونسي (نحو 3 آلاف دولار أميركي) وتمكن من افتتاح مصنع صغير في اختصاص صناعة خشب الزيتون وهو يوفر الشغل لـ7 عمال، وتمكن خلال فترة وجيزة من رفع رأسمال المشروع ليقدر بقرابة 15 ألف دينار تونسي. ويجد كمال في تونس وفرنسا مشترين من نوع خاص يبيعهم كل منتوجه وينتظر أن يحدث إضافات كثيرة على مشروعه خلال الفترة المقبلة.

ويرى عصام الجمل (مختص في صناعة الخشب بصفاقس) أن القطاع هام للغاية وهو يوفر هامش تحرك كبيرا، سواء على مستوى الصناعات وكذلك المبيعات، ويسعى إلى مسايرة الموضة وتلبية طلبات التونسيين والأجانب وصناعة أدوات تحتاجها العائلة ولا تستطيع الاستغناء عنها. واشتكى الجمل الذي يمارس هذه المهنة منذ قرابة 10 سنوات، من ارتفاع سعر المواد الأولية، إذ إن الفلاحين الذين كانوا في السابق يبيعون شجرة بأكملها بأسعار معقولة، خصوصا وهم يعلمون أن الحرفي سيوفر عليهم نقل أخشاب الزيتون، باتوا يبيعون الأشجار بالكيلوغرام، وهو ما أثقل كاهل بعض الصناعيين الذين يتنافسون في اقتناء جذوع الأشجار مع الناشطين في قطاع الفحم، حيث يحتل الزيتون مرتبة عالية على مستوى الطلبات.

ويسعى المستثمرون في قطاع صناعة الخشب إلى الاعتماد على خريجي المعاهد العليا للفنون والحرف ومعاهد الفنون الجميلة لتجاوز ظاهرة الإنتاج المتكرر والعادي والعمل على استنباط منتجات وتصاميم تتجاوز الاستعمالات العادية. أما بالنسبة للأسعار فإنها قد تصل إلى 300 دينار بالنسبة لقطع حرفية من الحجم الكبير.

وتفتح الأسواق الجديدة أبوابها أمام المنتجات التونسية من هذا النوع، وذلك بعيدا عن الأسواق التقليدية، مثل فرنسا وإيطاليا، عبر إحداث مواقع على الإنترنت خاصة بكل حرفي أو مؤسسة للتعريف بمنتوجهم ومهاراتهم والتوجه نحو التجارة الإلكترونية وما توفره من آفاق عالية للتسويق.