مصر: مطربو المقاهي بحي الحسين.. لحن يجدد نفسه يوميا

تعلموا الفن بالفطرة ويعتزون بمهنتهم ولا يتحرجون منها

الغناء على المقاهي تسبب في شهرة العديد من المطربين وأصبحوا نجوما الآن؛ لكنهم لا يذهبون إلى الحسين بعد شهرتهم («الشرق الأوسط»)
TT

«الحب كده.. وصال ودلال ورضا»، أغنية كوكب الشرق أم كلثوم الشهيرة؛ لكنها تتهادى إلى مسامعك بعبق وإيقاع آخر، عبر عدد من المطربين الجائلين، فوسط جو حي الحسين الأثري، والمقاهي الشعبية الأصيلة، يقف بوقار الحاج يحيى واضعا على كتفه آلة العود، وبأسلوب لائق يعرض على زبائن المقهى سماع أغاني الزمن الجميل، ثم يجلس معهم يدندن على أوتار عوده، فينتشون ويرددون معه باقة من أشهر الأغاني لأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وشادية ومحمد عبد المطلب.. وغيرهم.

يشع الأرابيسك من أبواب المقاهي والمرايا والكراسي الخشبية، وينعش جمهور المقهى أجسادهم بكوب من الشاي الأخضر يحمله براد أزرق صغير من الصاج أزرق اللون وموضوع بعناية على صينية نحاسية اللون. ومن مقهى لآخر يتكرر مشهد المطربين الجائلين وهم يعرضون فنهم على الزبائن من مصريين وعرب وأجانب، فمنهم من يهتم ويدعوهم للجلوس، ومنهم من لا يرغب.

منطقة الحسين التي تشتهر بالعديد من المقاهي التاريخية وبطابع خاص، كانت بالأمس البعيد مسرحا للغناء والعزف لكبار المطربين، الذين كانوا يقدمون أعمالهم الغنائية على شكل فرق موسيقية صغيرة تتألف من بضعة أشخاص يتجمعون في دائرة ويحتسون المشروبات، ويدندنون حتى الصباح وسط حالة من الطرب.

وعلى الرغم من التطور الموسيقي الذي اختلف فيه الفن كثيرا عن الزمن الماضي فإن السياح يطربون لسماع الأغاني القديمة ويعتزون بها، فمنهم من يطلب من المطربين الجائلين غناء بعض الأغاني لأم كلثوم وسيد درويش وفريد الأطرش. ويؤكد العديد من زبائن المقاهي أن المطربين الجائلين ازداد عددهم بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وأصبحوا ظاهرة لافتة في ساحة الحسين، عكس السنوات الماضية حيث كان عددهم محدودا ومعروفين بالاسم لدى المقاهي، وهو ما يبرره أحدهم - فضل عدم ذكر اسمه - بتضييق جهاز أمن الدولة السابق عليهم.

وترتبط مهنة المطربين الجائلين بالحالة المادية للمطرب، فغالبيتهم هواة لم يدرسوا العزف على أوتار العود أو الكمان، ويعملون في الأفراح والحفلات الصغيرة، وفي الأيام التي تخلو من الأفراح يذهبون ليتجولوا في مقاهي الحسين، ليلتقطوا رزقهم، ويحصلوا على قوت يومهم، وسط السياح.

ومن أبرز المطربين الشعبيين ممن كانوا يطربون زبائن المقاهي، الفنان سيد درويش الذي كان يغني على مقاهي الإسكندرية وجاء إلى القاهرة واشتهر وأصبح علامة مميزة في اللحن والغناء.

محمد الزواوي، (36) عاما، عازف عود ومونولوجست يتجول في منطقة الحسين، منذ كان عمره 11 عاما، يقول «منذ زمن والمصريون والسياح والعرب اعتادوا على وجود المطربين والعازفين المتجولين في ساحة الحسين، ويأتون خصيصا للاستماع إلى الفن الشعبي وأغاني التراث، ويكونون في حالة من الطرب والسعادة وقت سماعنا». وعن سبب تمركز المطربين والعازفين في منطقة الحسين، أوضح الزواوي أن «منطقة الحسين منذ زمن بعيد هي مكان لتجمع الفنانين والأدباء، الذين يأتون للحسين كلما اشتاقوا للتراث المصري، فنجلس معهم ونسهر حتى الصباح ندندن أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد قنديل، ويشكروننا على احتفاظنا بهذا الفن».

وأوضح الزواوي أن الغناء على المقاهي وسط جو الحسين يشعر الإنسان بالألفة والمحبة، ورغم أن العالم يشهد عام 2012؛ فإن الزواوي يرفض غناء نوعية الأغاني الجديدة التي يراها غير هادفة، حيث إنه لا يغني إلا أغاني الزمن الجميل، مشيرا إلى أن العديد من السياح يطلبون بالاسم أغاني عبد الحليم وأم كلثوم وفناني الزمن الجميل.

ويعتز الزواوي بآلة العود، فهو يرى أن من يتعلم العزف عليها يكون فنانا حقيقيا وذلك لصعوبتها، مشيرا إلى أنه منذ 20 عاما كان هو وثلاثة فقط يعزفون في منطقة الحسين؛ إلا أنه في السنوات الأخيرة ازداد عدد المطربين خاصة بعد الثورة المصرية. وحول المهنة يقول الزواوي «هذه المهنة تعد مصدر رزق جيدا لنا. قضاء ساعة من الغناء سواء لعربي أو أجنبي نحصل منه على 150 جنيها، تقسم على المطرب والطبال وعازف الكمان، بالإضافة إلى 10 في المائة للقهوة التي تسمح لنا بعرض فننا بها».

ويروي الزواوي أن الغناء على المقاهي تسبب في شهرة العديد من المطربين، وأصبحوا نجوما الآن؛ لكنهم لا يذهبون إلى الحسين بعد شهرتهم، مشيرا إلى أن «المطربين والعازفين في الحسين أيضا حققوا شهرة بين العرب والأجانب، ووقت عودتهم إلى بلادهم يخبرون أصدقاءهم عنا، ولما يأتي أصدقاؤهم إلى مصر نفاجأ بأنهم يطلبوننا بالاسم، ويجلسون ليستمعوا إلى الطرب الأصيل».

ورغم أن ظروف المعيشة لم تساعد الزواوي على استكمال دراسته، فإنه أصر على تعلم العود، وعرض فنه في ساحة الحسين، فالزواوي يشعر براحة وسعادة كبيرة حينما تلامس أصابعه أوتار العود، ويفخر بأنه أصبح يطلب بالاسم للغناء للسياح العرب والأجانب.

وعن مصاعب مهنة المطربين الجوالين يقول الزواوي إن «الشرطة قبل ثورة يناير كانت تقوم بإلقاء القبض على المطربين المتجولين تحت مسمى التسول وإزعاج السياح، وعلى الرغم من محاولاتي الكثيرة لاستخراج بطاقات تضمن لنا كسب الرزق من دون مشاكل؛ فإنه حتى الآن وبعد الثورة لم يهتم أحد بنا، رغم أننا نحفظ أغاني التراث، ونروج للسياحة، ونقوم بإسعاد السياح».