شباب سعوديون يستثمرون أوقات فراغهم في «بسطات» الشاي

زوار كورنيش جدة يبحثون عن النكهة الطيبة والسعر المناسب

المتعة في صنع وتقديم الشاي على «الجمر» (تصوير سلمان المرزوقي)
TT

عمل متعب الجعيد، شاب سعودي في نهاية العقد الثاني من عمره، على تحضير الشاي على الطريقة القديمة، حيث اتخذ من كورنيش جدة مقرا «لبسطته» التي يعمل بها بعد انتهاء دوامه في أحد القطاعات الخاصة بالفترة الصباحية.

ويعمل الجعيد في صنع وبيع الشاي على «الجمر» منذ سنتين، حيث بدأ في جنوب المملكة بخميس مشيط، وعندما انتقل إلى جدة بسبب ظروف عمله أنشأ بسطته على كورنيشها، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب سنتين، حيث بدأت في منطقة خميس مشيط، ووجدت إقبالا على الشاي المصنوع على (الجمر)، وعندما انتقلت إلى مدينة جدة قررت أن أنشئ بسطة على كورنيش جدة»، مشيرا إلى النكهة الرائعة التي يُكسبها «الجمر» للشاي.

وأوضح الجعيد أن الهدف من ذلك هو الاستفادة من وقت الفراغ بعمل يستفيد منه بطريقة ممتعة، لا سيما أنه يستمتع عند تحضير الشاي على «الجمر»، كما أن سعادته تزداد عندما يرى علامات السعادة ويسمع كلمات الرضا من الزبون الذي أصبح يأتي بشكل شبه يومي إلى بسطته لاحتساء كوب الشاي المصنوع على «الجمر».

وبين أنه اختار كورنيش جدة لأنه يربط بين شمالها وجنوبها، إضافة إلى أنه يزدحم دائما بالمتنزهين أو الذاهبين إلى أعمالهم ومساكنهم، حيث يمرون بشكل يومي من طريقه، وغالبا ما يشتهون كوبا من الشاي أو القهوة، وأضاف: «ألاحظ أن الناس بدأت تملّ من المشروبات العصرية وأنواع القهوة العالمية الموجودة على الكورنيش»، وقال: «ألحظ ذلك من خلال الازدحام الشديد على البسطات التي تبيع الشاي والقهوة على (الجمر)»، مستبعدا أن يكون السبب فقط رخص سعر كوب الشاي، الذي يصل إلى 3 ريالات، مشيرا إلى أنهم يبذلون جهدا كبيرا في صنع الشاي على «الجمر»، مقابل الفائدة البسيطة التي يحصلون عليها.

وأشار إلى أن طريقة صنع الشاي على الجمر ليست سهلة كالشاي الذي يصنع على النار، كونه يحتاج إلى وقت لإشعال الجمر أو الحطب، إلى جانب الماء والشاي وبعض أوراق النعناع أو الحبق والسكر.

واستطرد أن «ارتفاع أسعار (الجمر) هو ما يصعب هذه العملية على البعض، لا سيما أننا نستهلك كميات من الفحم في أيام الأسبوع، بينما تزداد الكمية المستخدمة لإشعال الجمر، آخر الأسبوع، بسبب زيادة الطلب وارتفاع عدد زوار الكورنيش، حتى إنهم لا يتمكنون من خدمة الجميع».

وحول تضرر أصحاب المقاهي والمطاعم الموجودة على الكورنيش، بين الجعيد أنهم لا يسرقون زبائن أحد، وقال: «هذه أرزاق مقسمة من الله»، لافتا إلى أن الناس تبحث عن النكهة الطيبة إلى جانب السعر المناسب، وقال: «أحاول أن أحقق رغباتهم بشرب كوب الشاي أو قهوة ذات نكهة أصيلة»، لافتا إلى أنه يحاول من خلال هذا العمل أن يحافظ على تراث الآباء والأجداد، مشيرا إلى أنه ورث طريقة عمل الشاي على الجمر منهم.

كما يقدم الجعيد مع كوب الشاي والقهوة التمر والبسبوسة التي تصنع في المنزل، مشيرا إلى اختلاف طعمها عن تلك التي تباع في المحلات التجارية وهي مغلفة، حيث إنها تحتوي على مواد حافظة، ولفت إلى أنه يرغب في تطوير بسطته، ولكن للأسف البلدية تلاحقه لذا يكتفي بتقديم الشاي والبسبوسة.

وطلب الجعيد من المسؤولين التعاون معه ومع الشباب أمثاله، وأن يفتحوا قلوبهم للتحاور معهم، لإعطائهم الفرصة المناسبة ليثبتوا أنفسهم من خلال عملهم الخاص، الذي يستمتعون به إضافة إلى شغل أوقات فراغهم بعمل بدلا من تضيعه فيما لا ينفع ولا يفيد، مؤكدا أنهم لا يرغبون بالتصادم مع الجهات المسؤولة، وأنهم يعملون بهدف المتعة وكسب العيش الحلال.

وبين أن الدخل اليومي له يتراوح بين 200 و300 ريال ويرتفع في آخر الأسبوع حتى يصل إلى 500 ريال، مشيرا إلى أن عدد البسطات في الكورنيش يبلغ 5؛ جميعها لشباب سعوديين يعشقون العمل والاستفادة من وقت الفراغ، دون خلاف أو التسبب في ضرر أحد، كما أنهم يتعاونون فيما بينهم ويتنافسون منافسة شريفة.

في حين يرى أحمد صالح، الذي يعمل في هذه المهنة منذ فترة طويلة على كورنيش جدة أيضا، أنه يجد متعته في هذا العمل إلى جانب المكسب الحلال، مشيرا إلى أن فكرة صنع الشاي على الجمر لسكان وزوار مدينة جدة تعتبر جديدة على الرغم من قدمها، إلا أن الناس في هذه الأيام يعشقون كل ما يذكرهم بالماضي ويعيدهم إليه.

وأشار إلى وجود أنواع كثيرة ومختلفة هذه الأيام من الشاي والقهوة إضافة إلى اختلاف طرق إعدادها بالأجهزة المتطورة، إلا أن الناس يفضلون شرب الذي يصنع على «الجمر»، بسبب النكهة التي يضيفها عليه، لافتا إلى أن طريقة عملهم المختلفة لها دور أيضا في اجتذاب المتنزهين في نفس الوقت.

وبين صالح إلى أن الصعوبات التي تواجههم ارتفاع أسعار الجمر إضافة إلى ندرة النوع الجيد منه، حيث إنهم يبحثون عن النوع الذي يشتعل بسرعة، وهذا سعره مرتفع جدا، وحول أنواع الشاي التي يفضل استخدامها بين أنه لا يوجد نوع معين، لأن نكهة الجمر هي الأساس في عملنا هذا.

ويعرف الشاي بـ«خمر المؤمنين»، وبحسب الموسوعة العربية العالمية، فإن أصل الشاي من الصين ولم يعرف عند العرب في الجاهلية، ولا في صدر الإسلام والعصر الأموي أو العباسي، لأنه لم ينتشر ويصبح معروفا في العالم إلا في القرن السابع عشر وما بعده.

وللشاي ثلاثة أصناف رئيسية وهي الأسود والأخضر والأولونج، وجميع هذه الأصناف ناتجة عن نبتة واحدة، إلا أن الاختلاف يكمن في طريقة تصنيعها، فالشاي الأسود كان في الأساس شايا أخضر، لكنه أخضع لعمليات أكسدة طويلة مع شاي الأولونج الذي يخضع لعملية أكسدة خفيفة، أما الشاي الأخضر فتقطف أوراقه كما هي دون إخضاعها لعمليات كيميائية مبالغ فيها، ويوجد نوع آخر من الشاي يعرف بالشاي الأبيض، وقد لا تذكره معظم الموسوعات العلمية.

وللأسف، فإن الشاي الذي نشربه نحن عادة الشاي الأسود المعروف بالضرر الأكثر بين الأنواع الثلاثة، كونه يحتوي على النسبة الأكبر من الكافيين، التي تعمل كمحفز للأعصاب والقلب والكلى، بينما يعد الشاي الأخضر هو الشاي الحقيقي إذ إنه لا يخضع إلا لعملية أكسدة بسيطة جدا، لذا ينصح به الأطباء والمختصون.