صالونات القاهرة الثقافية.. أدبية وأحيانا سياسية

أصبحت أكثر حيوية في تبادل الآراء

مكتبة أحد الصالونات الثقافية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

لعبت الصالونات الثقافية والأدبية دورا كبيرا في تشكيل الثقافة المصرية والعربية، خاصة في أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، حين كانت انعكاسا للتغيرات الثقافية والأدبية في تلك الفترة، وتعبيرا عما شهدته من تطور واضح في الحياة الفكرية والثقافية. كذلك كانت للصالونات أهمية كبيرة وشهرة واسعة كوسيلة من وسائل الاتصال المباشر قبل «ثورة» الإعلام كما نعرفه اليوم. كان صالون الأديبة مي زيادة من أشهر وأهم الصالونات الثقافية العربية، ولقد ذاعت شهرته طوال 25 سنة، وكان يعقد يوم الثلاثاء من كل أسبوع في منزلها وغدا ملتقى ثقافيا للصحافيين والمفكرين. كذلك كان لصالون عباس محمود العقاد أكبر الأثر في تشكيل الفكر والثقافة في مصر وكان يعقد يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان كثيرون من المفكرين والكتاب يحضرونه أسبوعيا.

أما اليوم فاختلف وضع الصالونات الثقافية إلى حد كبير، على الرغم من محاولات البعض المحافظة عليها. وما عاد هناك اهتمام كبير، خاصة من الشباب، بحضورها؛ بسبب انتشار وسائل الإعلام المختلفة والإنترنت. ثم إن الجلسات ما عادت أسبوعية كما كانت من قبل، بل أصبح معظمها شهريا، لكن أصحابها ما زالوا يصرون على إقامتها لاقتناعهم بأهميتها كوسيلة للمعرفة، خاصة في ظل مناخ «الربيع العربي» الذي فرض قضايا السياسة ومناقشتها بحيوية وحرية في هذه الصالونات، بعدما كانت شبه محظورة، أو يفضل الابتعاد عنها.

الدكتور وسيم السيسي، صاحب «صالون المعادي الثقافي»، الذي أسسه عام 1990، وهو طبيب وباحث في علم المصريات، يقول عن تجربته: «جاءت فكرة تأسيس الصالون بعد قراءات كثيرة عن الصالونات الثقافية التي كانت موجودة في مصر خلال فترة الثلاثينات؛ لذا قررت إنشاء صالون في منزلي ينظَّم الجمعة الأخير من كل شهر بهدف تبادل الآراء والمناقشات حول المواضيع المختلفة. وكان التركيز في البداية على القضايا التاريخية والقضايا العلمية والأدبية، بعيدا عن الدين والسياسة، غير أننا اضطررنا مؤخرا لتناول بعض مسائل السياسة، خاصة بعد ثورة (25 يناير) وما تبعها من أحداث سياسية قوية. واليوم نتطرق لمواضيع السياسة، لكن ليس بشكل مباشر؛ لأننا ما زلنا في مرحلة نحتاج فيها إلى إعادة النظر في احترام آراء الآخرين بشكل جيد».

الدعوة في هذا الصالون عامة يتم الإعلان عنها في الصحف، إضافة إلى الدعوات الشخصية للمتخصصين الذين يتحدثون في الصالون عندما يكون موضوع الجلسة في مجال تخصصهم. ويتضمن بعض فقرات الغناء والعزف كنوع من الترفيه، كما تخصَّص استراحات لتبادل النقاش الحر بعيدا عن موضوع الصالون. ومن رواد صالون السيسي كوكبة من المفكرين وأساتذة الجامعات والفنانين والأدباء.

وفي عام 1987 أسس الشاعر والطبيب الدكتور أحمد تيمور في منزله بحي الهرم في محافظة الجيزة، جارة القاهرة، صالونه الأدبي بناء على رغبة مجموعة من الأصدقاء بالالتقاء بشكل منتظم. ثم انضمت إليهم كوكبة من المثقفين والشعراء والأدباء والإعلاميين والمفكرين. وحاليا يعقد الصالون في عيادة تيمور بالهرم في أول كل شهر. وعن أهم المواضيع التي يطرحها الصالون يقول الدكتور تيمور: «إن الصالون يُعنى بكل مجالات ونواحي الحياة من الفن والأدب والعلم والثقافة. وبعد ثورة (25 يناير) بدأ الاهتمام بالمواضيع السياسية بشكل واضح، بما يصب في مصلحة الوطن، خاصة أننا كمصريين حُرمنا لفترة طويلة من إبداء آرائنا السياسية، لكن الآن لم يعد هناك أي خوف على الإطلاق». هذا، ويعد الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء السابق، من أشهر رواد الصالون، وقد انقطع عن حضوره فقط أثناء فترة توليه رئاسة الحكومة المصرية، ثم عاود الحضور ثانية بعد تركه الحكومة.

ويعتبر صالون الدكتور عبد المنعم تليمة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، من أشهر صالونات القاهرة الثقافية وأقدمها، ويطلق عليه اسم «صالون الخميس» لأنه يعقد كل خميس بمنزل تليمة في حي الدقي القاهري. وهنا يشرح تليمة: «فكرت في إنشاء صالون عندما كنت أدرس في الجامعة عام 1956، وكان ذلك بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر. وبما أنني كنت الوحيد بين زملائي الذي يمتلك منزلا في القاهرة، صار المنزل مكان تجمعنا واخترنا له يوم الخميس. ومنذ ذلك الوقت ونحن نتقابل الخميس من كل أسبوع في منزلي. وبدأنا التوسع في المواضيع التي نناقشها داخل الصالون لتشمل الثقافة والعلوم والفن والأدب والفلسفة والتاريخ». ولصالون تليمة برنامج معلن، ومن أشهر رواده الدكتور عبد الحميد يونس والدكتور حسين فوزي والدكتور لويس عوض والفنانة نادية لطفي، كذلك حرصت الفنانة الراحلة سعاد حسني على حضور هذا الصالون لفترة طويلة. وأحيانا يأتي بعض المفكرين والمثقفين العرب والأجانب خصيصا لحضور الصالون. ويعبر تليمة عن حزنه الشديد لعدم اهتمام الكثيرين بحضور الصالونات الثقافية، لكنه يرجع ذلك إلى الانتشار الواسع لوسائل الاتصال المختلفة.

أيضا، من صالونات القاهرة القديمة نسبيا: صالون الدكتور محمد حسن عبد الله، أستاذ الأدب والنقد بجامعة القاهرة، الذي أطلق منذ أكثر من 20 سنة في منزله في ضاحية المعادي جنوب القاهرة. وكانت البداية عندما ترك عمله وتمسك الطلبة بمقابلته وأصروا على زيارته بصورة دورية في منزله. وعندها فكر في أن تصبح هذه الزيارة منظمة، فولدت فكرة إنشاء الصالون يوم الجمعة الأخيرة من كل شهر. وحسب الدكتور محمد أنه عندما فكر في تأسيس الصالون لم يكن هدفه استنساخ صالون العقاد أو مي زيادة «لأن وقتها كان الناس يذهبون لهذه الصالونات لمجرد رؤية العقاد أو مي زيادة، أما الآن فالناس لا يقبلون كثيرا على الصالون إلا إذا استفادوا منه؛ لذلك ما كان الهدف البحث عن ضيوف مستهلكين في كل المجالات، بل إظهار نجوم جدد في تخصصاتهم. وبالفعل، أصبحت للصالون مكانة متميزة بين الصالونات الثقافية والأدبية في مصر، وهو يهتم بالشعر كأحد أهم معالم الثقافة العربية».

أما صالون الدكتور حامد طاهر، نائب رئيس جامعة القاهرة سابقا أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، فهو الأحدث؛ إذ أسس عام 2007، إلا أنه اكتسب ثقة كثرة من المثقفين حتى أصبح من أهم صالونات مصر الثقافية وأشهرها وأكثرها انتظاما في السنوات الأربع الأخيرة.

يُقام الصالون في منزل الدكتور حامد بحي الدقي يوم الاثنين الأول من كل شهر. ويقول صاحبه: «إن الصالون يجمع المثقفين من الأدباء والفنانين والسياسيين والإعلاميين لتبادل الحديث والنقاش حول القضايا المجتمعية المختلفة بحيث نخرج في البداية بنتائج ومقترحات وآراء مفيدة». ثم يضيف: «بعد قيام ثورة (25 يناير) وتغير الأوضاع السياسية في مصر، بدأ الصالون يهتم بالشأن السياسي بصورة أكبر، وأنصح الشباب بالمشاركة في هذه الصالونات؛ فالاتصال المباشر له تأثير رائع على الثقافة».