لبناني أمضى 40 سنة في جمع ما يزيد عن 50000 طابع

يعتبر أحد أكبر جامعيها في الشرق الأوسط وأفريقيا

طالب يقدم شروحا للزوار في أحد معارضه («الشرق الأوسط»)
TT

لديه شغف غير طبيعي بجمع الطوابع البريدية. أمر سمح له بخلق مفهوم جديد لكيفية قراءتها، حتى أصبح لكل منها قصة وتاريخ وتفاصيل صغيرة ترافقها.

على مدى أربعة عقود من الزمن أدرك نائب رئيس الأكاديمية العالمية للطوابع شفيق طالب أن الطوابع ذات الاستخدام الجماهيري هي خير وسيلة لنقل الحقائق وسرد الوقائع، ويقول في حوار مع «الشرق الأوسط»: «بدأت أجمع الطوابع كهواية، معتمدا أسلوبا علميا ومتقنا في تكوين مجموعاتها، وتدريجيا تحولت الهواية إلى عشق مفعم بالمتعة، بفضل الكثير من الرغبة والوقت والجهد والمال، فهي هواية مكلفة من جهة ما يتطلبه شراء الطوابع القديمة النادرة من تكاليف باهظة».

ويستذكر العضو العربي والآسيوي الأول في الأكاديمية عبارة للرئيس الأميركي هاري ترومان، قالها لهواة جمع الطوابع عام 1947: «أي واحد منكم يرغب في أن يكون صديقا لعظماء وملوك العالم ورؤسائه عليه بجمع الطوابع».

ويؤرخ ابن مدينة صيدا (جنوب لبنان) تاريخ معظم البلدان العربية والكثير من بلدان العالم بطوابع بريدية، انكب على جمعها منذ عشرات السنين، حتى أصبح يعد من أهم الذين يملكون أكبر مجموعة طوابع وبطاقات بريدية في العالم، برصيد تجاوز الـ50000 طابع.

تحول منزل طالب في عاصمة الجنوب اللبناني إلى ما يشبه المتحف المصغر، بفضل هذه المجموعات، ومنها: المجموعة اللبنانية كاملة بدءا من عام 1924 تاريخ إصدار أول طابع بريدي رسمي وحتى اليوم، المجموعة الفلسطينية منذ العهد العثماني عام 1840، مرورا بالاحتلال البريطاني لفلسطين حتى تاريخ النكبة 1948، طوابع الجمهورية التركية منذ عام 1863 تاريخ صدور أول مجموعة طوابع عثمانية وحتى تاريخه، فضلا عن الطوابع البريدية التي أصدرتها الدول العربية في مناسبات مختلفة لدعم القضية الفلسطينية وتأكيد حق العودة، ومن بينها تلك التي تحمل الصور المأساوية لمجزرة دير ياسين (الكويت)، ومجزرة صبرا وشاتيلا (تونس، سوريا، لبنان)، ناهيك بطوابع المملكة العربية السعودية حيث التمور، وصور الصحارى والحياة البدوية، إضافة إلى الطوابع الخاصة بعائلة بن سعود، وبن عبد العزيز، والأسرة الحاكمة.

كما أن للأردن ومصر واليمن وسائر الدول العربية مجموعات تختصر تاريخ كل منها، إضافة إلى مجموعات لعدد من الدول العربية والشرق آسيوية، ومنها الطوابع التي أصدرها القياصرة الروس عام 1913 بمناسبة مرور 300 عام على حكم عائلة رومانوف.

كنز من الطوابع البريدية جعل من عاشقها أكبر جامع للطوابع في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تجد لديه القديم والحديث والنادر منها، العائد إلى الدول والملوك والمشاهير، ومنها أول طابع عام 1840 وتظهر عليه صورة ملكة بريطانيا فيكتوريا، وكان الملوك أول من بدأ بجمع الطوابع ومن هنا اكتسبت الهواية لقب «هواية الملوك».

وردا على سؤال يؤكد طالب أن نشر ثقافة الطابع أمر بغاية الأهمية، لأن تعريف الناس بهذه الهواية يعزز صورة التبادل الحضاري والثقافي للشعوب، فالطابع أصبح دليلا عالميا بامتياز، ترعاه مؤسسات كبرى عبر الجمعيات والمنظمات العالمية المختصة.

وانطلاقا من حرص ابن الثمانين عاما على ثقافة الطابع وإبراز أهميته، فقد نظم طالب مجموعة من المعارض المفتوحة لكل الناس، لا سيما الشباب منهم وطلاب المدارس والجامعات، كدافع لهم للتعرف على الأحداث التي شغلت العالم في أزمنة مختلفة، من خلال الطابع البريدي، ومن هذه المعارض: معرض شفيق طالب الأول – صيدا 1995 (شارك فيه وفود من 36 دولة في العالم)، معرض المجموعة الكويتية – بيروت 1996، معرض لمجموعة نادرة من الطوابع الفرنسية واللبنانية بيروت - 1999، معرض «مشاهير في طوابع الدول الفرنكفونية» بيروت - 2002، معرض «الطوابع اللبنانية كاملة» – بيرن – سويسرا 2006.

في عام 2002 أصدر طالب مع ابنته الدكتورة الجامعية هدى سراج كتاب «لبنان في طوابعه – مجموعة شفيق طالب»، وقد صنف هذا الكتاب بـ«كتاب رائد» من قبل إدارة متحف البريد في باريس.

وفي أغسطس (آب) 2006 انتخب طالب عضوا في الأكاديمية الأوروبية للطوابع، وفي العام نفسه تم تكريمه في متحف مونت كارلو – موناكو ومنح دبلوم الأكاديمية، وفي عام 2007 شارك في تأسيس الأكاديمية العالمية للطوابع وانتخب نائبا للرئيس، لينال في عام 2008 دبلوم الأكاديمية.

ومع انطلاقة هذه المعارض نجح من عمل في التجارة في الكويت لمدة سنتين (1953 - 1955) في تحويل هواية الملوك والأثرياء والنخب إلى هواية في متناول الرأي العام، مؤسسا بذلك مدرسة جديدة في التعامل مع الطابع، إثر ابتكاره شروحا مرفقة بكل طابع بريدي، تروي تفاصيل متعلقة بحقبة تاريخية معينة.

القدر كان قاسيا على عائلة طالب، التي يعتبرها الداعم الأول والأهم له، وفي ذلك يوضح: «توفيت والدتي عام 1948 وكنت في سن الـ14، كارثة حلت بالعائلة، ما دفع بوالدي إلى لعب دور الأم والأب معا في سبيل تربيتي مع إخوتي السبعة، وفي عام 1970 توفيت زوجتي الأولى في عمر الثلاثين، بعد 12 عاما من زواجنا السعيد، تاركة وراءها أربعة أولاد: هدى، مها، ماهر، منى. تزوجت بعدها أختها ورزقت منها بغادة ومالك، لكن القدر لم يرحمني مرة ثالثة بوفاة والدي عام 1947».

ويشير طالب في الختام إلى أنه يقضي وقته حاليا في أمور ثقافية، بهدف المحافظة نشاطه العقلي، مشددا على أن ثروته من الطوابع هي بمثابة إرث ثقافي للكبار والصغار، مبديا ثقته بأنهم سيبحثون عنه مستقبلا.

ولا يخفي طالب أمنيته الكبيرة، المتمثلة في أن يحافظ أولاده من بعده على هذا الإرث، آملا تخليد اسمه في متحف خاص، يحتضن ثروة من الطوابع التي لا تقدر بثمن.