مصر: سوق «عمال التراحيل» تشكو من تراجع حال الاقتصاد

أجورهم باليومية.. لكنهم لم يفقدوا الأمل

يعاني «عمال التراحيل» في مصر من عدم وجود المنظمات المدافعة عن حقوقهم بالإضافة إلى انعدام الامن وتراجع الاقتصاد («الشرق الأوسط»)
TT

«هيلا هيلا صلي على النبي.. هيلا شد حيلك يا صبي».. بمثل هذه الأغاني والأهازيج المصرية يحاول محمد سيد التغلب على يوم عمل شاق بجنوب العاصمة المصرية القاهرة. إلا أن محمد يخفي همومه خلف ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه، أثناء انشغال يديه بالدفع بقوة لإدارة سلسلة حديدية مع زملائه، وهذه السلسلة معلقة في معاول يحفرون بها الأرض يدويا وهم يخرجون أحشاءها على أمل أن يحصلوا على اليومية، أجرة العمل اليومي، بعد نهار شاق من الحفر والدفع والعرق.

مع أول خيط لضوء النهار، يقف محمد (35 سنة)، أسفل كوبري الملك الصالح بالقاهرة، وسط كثيرين من زملائه، ممن لا يمتهنون وظيفة مؤقتة أو يمتلكون شهادات تعليمية يستطيعون من خلالها الانخراط في سوق العمل، وذلك بانتظار مجيء أحد المقاولين أو أصحاب البيوت ليتفق معهم على عمل هنا أو هناك. إنهم عمال يوميون يبيعون مجهودهم البدني طوال النهار مقابل بضع عشرات من الجنيهات يعودون بها لأطفالهم، قبل أن يناموا على أمل بغد أفضل، وأن يجدوا من يحتاج إلى قوة أذرعهم مع شروق شمس صباح جديد.

في لقاء مع «الشرق الأوسط» قال محمد «أنا على باب الله.. كل يوم بيومه، ماعنديش شغلانة معينة، كل يوم بحال.. النهارده نروح نرصف طريق، بكرة نروح نشتغل في المعمار أو نشيل طوب أو مونة»، قبل أن يضيف بصوت يغلب عليه الرضا «الحال ماشي والحمد لله».

يطلق المصريون على محمد وزملائه لقب «عمال الترحيلة»، كما يطلق البعض على المكان الذي يتجمعون فيه اسم «سوق الرجالة» ممن حكمت عليهم ظروف المجتمع أن يعيشوا حياتهم تحت سقف الأجر اليومي، وهو أجر إذا انقطع يوما فإنهم لن يجدوا ما يسدون به جوعهم، وقضاء حوائج الحياة لهم ولعائلاتهم.

في الواقع لا توجد في مصر مؤسسة أو أي منظمة نقابية تجمع هؤلاء العمال الذين يفوق عددهم أعداد المنتسبين إلى نقابات عمالية كثيرة. ولقد عانى كثيرا «عمال الترحيلة» وغيرهم ممن لا يمتهنون - مثلهم - عملا ثابتا أثناء «ثورة 25 يناير»، حين توقفت عجلة الحياة والعمل في مصر تماما طوال 18 يوما، ومن ثم بعد الركود الكبير الذي حدث في تلك الفترة واستمرت تداعياته حتى اليوم، نتيجة اضطراب الأوضاع الاقتصادية والأمنية في مصر، والذي دعا كثرة من المستثمرين المصريين والأجانب إلى سحب وإغلاق مشاريعهم ريثما تنجلي الأمور وتستقر الأحوال.

وتابع محمد، الذي يعول والدته وثلاثة إخوة بالإضافة إلى عائلته الصغيرة المكونة من زوجته وطفلين، كلامه قائلا «إذا مرضت يوما واحدا لا أستطيع أن أجد قوت يومي.. وليس لنا أحد إلا الله الذي لا ينسانا أبدا».

وسرد محمد هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه يوميا، وهو يرتشف من كوب شاي صعيدي، مضيفا «قبل الثورة كنا نتعاقد مع شركات، لكن على أساس أن نشتغل معها حتى انتهاء المشروع الذي تنفذه، سواء كان قرية سياحية أو برجا أو رصف طريق، وكنا نأخذ أجرنا باليومية أيضا. وكانت الشركة لو حدثت لأحدنا إصابة في وقت الشغل، أو وقع من على ارتفاع كبير، لا تصرف له أي تعويض، وكانت تقول إننا نعمل باليومية ولسنا موظفين كي تتحمل مسؤوليتنا».

وأردف محمد بينما يهم بالإمساك بالسلسة الحديدية «كنا ننتهي من العمل في شركة ونذهب لشركة أخرى، ومن هذا الموقع في الصحراء لموقع آخر، قد يكون في المدينة أو أي مكان آخر.. لكن بعد الثورة كل حاجة تقريبا في أول شهرين وقفت»، مضيفا «لولا الواحد كان معاه قرشين شايلهم للزمن ماكناش هنعرف نعيش».

معاناة محمد، الذي لم يتجاوز في تعليمه سوى المرحلة الابتدائية، تختصر الحالة الاقتصادية التي تمر بها بعض القطاعات الاقتصادية في مصر حاليا، خاصة القطاع العقاري، الذي كان يعتمد على «عمال الترحيلة» و«سوق الرجالة» في تنفيذ مشاريعه الإنشائية المختلفة، نظرا لرخص أجورهم مقارنة بأولئك الذين يتقاضون أجورا شهرية ثابتة. وتضاف إلى ذلك قلة المخاطر على الشركات التي لا تلتزم بتوفير نفقات إضافية لعمال الترحيلة، ويساعدها في ذلك غياب القوانين المنظمة لعمل مثل هذه الفئات العمالية وتعذر تطبيقها حتى إن وجدت، بالإضافة إلى انعدام وجود المنظمات والمؤسسات المدافعة عن حقوقهم، في حين تسعى بعض منظمات المجتمع المدني لشن حملات للدفاع عن حقوق الحيوان في مصر.

وبانتظار تحسن الوضع الاقتصادي يظل مستقبل محمد وأسرته ومئات من زملائه وأسرهم مرهونا برصيف ينتظرهم يوميا، ليقفوا عليه حاملين آلات ومعدات للحفر والهدم، وآملين أن يأتي في كل يوم من يعطيهم فرصة العمل وجني ثمار تعبهم، حتى لو تركهم في آخر النهار في ترقب قلق آخر لما سيلاقونه في الغد.