أسرة تونسية تزاوج بين الخشب والخيزران وتبتكر تحفا رائعة

إذا كثرت السلع في السوق.. غيروا الأشكال

إسكندر عزوزين.. مع بعض منتجاته («الشرق الأوسط»)
TT

من قال إن الصناعات التقليدية في تونس تذوى، بل وتنتظر رصاصة الرحمة، فليعد حساباته.. لأن القانون الطبيعي يؤكد أن البقاء مرتبط بالتطوّر.

الصناعات التقليدية، التي صمدت فبقيت حتى يومنا هذا، هي تلك التي عمل الإنسان على تطويرها لتواكب العصر والمتغيرات من دون أن تفقد روحها وحضورها التاريخي الطاغي. بل وتحول بعضها إلى تحف نادرة في غرف الجلوس والنوم وعند مداخل القصور، تقبع كشكل من أشكال الاحتفاء بالتراكم الإنساني المعرفي عبر التاريخ.

لقد كان على عدد من الصناعات التقليدية، كالسجاد اليدوي مثلا، أن تواكب التغيير من خلال تقديم سجاد أصغر حجما ليواكب العمارة الحديثة التي تخلت عن فرش كامل القاعات والاكتفاء بقطعة صغيرة هنا وهناك في غرف المنازل وأروقته.

وفي العاصمة التونسية تونس، ابتكرت أسرة عزوزين أشكالا عملية - جمالية جديدة، كانت إفرازا لزواج جمع بين أسرتين؛ تعمل الأولى في مجال النجارة والأثاث، والأخرى في مجال نسج السعف والخيزران. وبالتالي، حصل «تزاوج» بين الصنعتين تلا زواج حبيب وحبيبته من الأسرتين. ويشرح إسكندر عزوزين، الحرفي في الصناعات التقليدية، ذلك بالقول «نعمل هذه الأشياء بشكل جماعي داخل الأسرة، فأنا أنتمي للصناعات التقليدية (النجارة) وكذلك صهري (حرفي السعف والخيزران)، ونحن نعمل جميعا منذ زواجي».

يمارس إسكندر هذا العمل منذ الصغر حين تعلم حرفة النجارة، بينما امتهن والد زوجته نسج السعف الخيزرانية، وعندما تم الزواج.. غدا «زواجين»، إذ تزوجت الحرفتان بعضهما بعضا، واجتمع الخشب مع الخيزران والسعف في تحف ولوحات رائعة، وهكذا كما يقول إسكندر «كمل أحدنا الآخر وابتكرنا أثاثا جديدا يجمع بين الخشب والخيزران». ويتابع «إننا نركز كثيرا على الابتكار.. وأحيانا يعجبنا موديل في الخارج أو مقتبسا من مكان آخر فنقلده، وقد نجحنا في ذلك».

ويشرح إسكندر عزوزين طريقة العمل قائلا «إننا نعمل كل ما يمكن عمله بالخشب والسعف أو الخيزران»، وبالفعل، لاحظنا سلالا للمهملات ولملابس الغسيل، وطاولات وثريات للديكور المنزلي، وحاويات للخبز، وحاويات للعب الأطفال، وأثاث غرفهم، وأواني لوضع الغلال والخضار، ومرافع لوضع الملابس في غرفة النوم حتى لا تتعرّض للانكماش أو اختلال حالة الكي، ومرافع أخرى لوضع الجوارب والأحذية، وأخرى خاصة بالمطابخ وحمامات السباحة، وأطباقا لتقديم المشروبات والحلويات، وطاولات يمكن ثنيها ووضعها في صندوق السيارة أثناء السفر أو عطلة نهاية الأسبوع حين تخرج الأسر إلى المناطق الريفية أو الغابات أو الاستراحات العائلية لقضاء أوقات ممتعة وسط الطبيعة.

ولم يزاوج إسكندر بين مهنته ومهنة أسرة زوجته بعد الزواج فحسب، بل أدخل مهنيين من قطاعات أخرى هي الخياطة والدهان، وأوضح «الخياطون لهم دور في خياطة قطع القماش وهو طرف آخر يساهم في تحقيق الإبداع وتنويع مصادر الدخل والحصول على لقمة عيش. وفكرة القماش داخل أواني غسل الصابون والخبز غير مسبوقة.. كما تضاف للطاولات قطع من البللور فتجمع بذلك بين ثلاثة أصناف هي الخشب - وغالبا ما تكون قوائم وحسب - والسعف أو الخيزران، وهي الدوائر المحيطة، ثم البللّور الذي يختم اللوحة. وتمثل كل قطعة تحفة فنية نادرة، إذ إنها كلها من ثمار صناعة أيد ماهرة وعقول مبتكرة، ولديها قدرة على المحاكاة والإضافة».

ثم، إلى جانب النجار وحرفيي السعف والخيزران والخياط، يستفيد من هذه الصنعة الدهّانون، إذ لا بد من دهن هذه التحف من قبل مختصين، وهكذا، تتوزع الاختصاصات والعوائد المالية على أكثر من حرفي قبل أن تعرض المنتجات في السوق.

أما عما تحتاجه القطعة من وقت قبل أن تصبح جاهزة للبيع، فأجاب إسكندر عزوزين «كل قطعة لها وقتها المحدد.. فبعضها يحتاج إلى يوم واحد فقط، وبعضها الآخر يحتاج لثلاثة أيام. بإمكان الحرفي صنع 20 قطعة صغيرة في اليوم ولا سيما من سلال المهملات، أما القطع التي تحتوي على الخشب فتأخذ وقتا أطول، مثل صناعة طاولة، فهي تحتاج لثلاثة أيام من العمل».

وسألنا إسكندر عما إذا كان يشارك في المعارض التي تقام للصناعات التقليدية أو غيرها، فأجاب «المجال المتاح لنا هو المعارض.. والإقبال هو المحفّز لنا على الاستمرار، ولولا الإقبال لما شاركنا في المعارض التي تقام من حين إلى آخر»، وأردف «.. والسر يتمثل في التجديد المستمر والابتكار المتواصل».

من ناحية ثانية، نفى إسكندر تأثر الصناعات التقليدية سلبا بعد الثورة، فقال «من يرد أن يعمل يحقق أهدافه»، وعن المشاركات في معارض بالخارج رد «كانت هناك فرص للمشاركة في معارض بالخارج.. ولكن ارتفاع التكلفة جعلنا نحجم عن المشاركة».

ولكن ماذا عن الأسعار؟ يقول إنها مناسبة، مع أن بعض المواد الأولية مستوردة من الخارج، وتابع «لولا أسعار المواد الأولية التي تمر عبر 4 قنوات قبل الوصول إلينا، لكانت أسعارنا أقل مما هو سائد الآن، ولولا الإقبال لتوقفنا عن العمل. نحن نبيع طاولة غرفة النوم مع طبقها بـ65 دينارا (الدينار يساوي نصف يورو تقريبا) والخزانات بـ165 دينارا للخزانة الواحدة، والطاولة المكتبية بـ850 دينارا، وسلة ثياب الغسيل بـ45 دينارا، وآنية وضع الخبز بـ25 دينارا وسلة المهملات بـ5 دنانير»..

واعترف إسكندر عزوزين بوجود منافسة، لكنه نفى أن تكون مصدر قلق، مستطردا «لأن لدينا ابتكارات مختلفة، ونحن من عادتنا إذا كثرت سلعة في السوق نغيّر نمط العمل». غير أنه في المقابل، طالب السلطات بالتدخل في مجال المواد الأولية التي «نريد توافرها بكثرة في السوق، مع تخفيف التكاليف، طبعا».

وعن أكثر الزبائن إقبالا على هذه الصنعة الفنية، قال إسكندر «أصحاب الفنادق والمولعون بالقطع الفنية، وكذلك أصحاب الذوق الرفيع من الباحثين عن الجمال الحسي في محيطهم. إن أصحاب الفنادق الجيدة يفضلون مثلا هذه السلال لوضعها في غرف زبائنهم، ولا سيما الأجانب منهم، بدلا من قطع البلاستيك التي تمثل في حد ذاتها شكلا من أشكال النفايات». وأضاف «هذه الصنعة تحتاج للابتكار المتواصل. عندما يأتي إلينا زبون ويشتري منا قطعة ثم يعود مرة أخرى ويجد ابتكارا جديدا، سيشتري مجددا.. ولكنه إذا وجد نفس الموديل القديم ذهب ولم يعد».