«متحف التماسيح» في كوم أمبو بأسوان.. ومضة جديدة من زمن الفراعنة

يقبع فوق ربوة في حضن النيل.. ويعد أكبر ما خصص لحيوان في العالم

«فاترينة» تضم تماسيح من مختلف الأحجام والأعمار في المتحف
TT

ومضة جديدة من زمن الفراعنة يشع بها «متحف التماسيح» على شاطئ النيل بمدينة كوم أمبو في محافظة أسوان بجنوب مصر، الذي افتتحه مؤخرا الدكتور محمد إبراهيم، وزير الدولة لشؤون الآثار.

يقع هذا المتحف في حضن معبد كوم أومبو، الذي تقول المعتقدات الفرعونية القديمة إنه خصص لعبادة «سوبك» الذي كان يرمز له بالتمساح. واللافت في احتفال افتتاح هذا المتحف أن اللوحة التذكارية خلت من أسماء المسؤولين، سواء كان الوزير أو محافظ أسوان، بل، مثلما كتب على اللوحة التذكارية لمتحف السويس الذي افتتح في الفترة الأخيرة أيضا، كتب على اللوحة الرخامية الموضوعة بمدخل المتحف: «تخليدا لذكرى شهداء ثورة 25 يناير». وهذا نهج جديد تنتهجه وزارة الآثار.

وزير الآثار المصري كان قد أوضح أن افتتاح المتحف يأتي في إطار خطة وزارته، كما وعد منذ توليه منصبه، بافتتاح عدد من المشاريع الأثرية الجديدة في ذكرى «ثورة 25 يناير (كانون الثاني)» لتضاف إلى خريطة مصر السياحية والأثرية ولتستقبل زوار مصر من مختلف أنحاء العالم.

وتابع الوزير شارحا: «المتحف يضم 22 تمساحا من 50 تمساحا سبق العثور عليها بالمنطقة القريبة من المعبد، ووضع بعدها في (فاترينات)، (الخزائن الزجاجية) خاصة لعرضها، وهي تمثل مختلف الأعمار؛ إذ تعرض تماسيح كانت ما زالت في المرحلة الجنينية وتماسيح صغيرة وتماسيح كبيرة مختلفة في الأطوال تصل إلى نحو 5.5 متر، بجانب 8 تماسيح في توابيت ولفائف الدفن».

ووصف الوزير «فاترينة» عرض التماسيح في هذا المتحف بأنها «أضخم فاترينة تجمع تماسيح في العالم كله؛ وقد روعي في تصميم طريقة عرضها أن تبدو كما لو كانت تميل على الرمال كأنها متجهة لتقترب من شاطئ النيل على ضوء القمر، وذلك باستخدام وحدات إضاءة صناعية توحي بهذا الجو الأسطوري، بالإضافة إلى مقبرة للتماسيح توضح كيف كانت تدفن في مدافن من الطمي الجاف».

هذا، ويستعرض سيناريو العرض المتحفي كيفية تحنيط التماسيح من خلال خمس مومياوات، توضح مراحل التحنيط وطريقته، وكيف كانت العملية تجرى بالدقة المعتمدة نفسها عند تحنيط الأفراد عموما، بالإضافة إلى عرض منضدة من الخشب توضع عليها التماسيح المحنطة عند تقديم القرابين لها.

من جهة ثانية، أوضح الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، أن المتحف يتضمن عرض 20 قطعة من اللوحات والتماثيل التي تخص عبادة التماسيح؛ أشهرها تماثيل «سوبك»، وأربع لوحات خاصة بهذا المعبود عند «الفراعنة»، اقتنيت اثنتان من متحف الأقصر، علاوة على لوحة رائعة لـ«سوبك» وضعت عند مدخل المتحف. وأردف أنه جرى كذلك «عرض عدد كبير من بيض التماسيح، بجانب أسنان وعيون من الذهب كانت توضع للتمساح بعد تحنيطه، وعيون من العاج المطعم بالمرو (الكوارتز) وحجر الـ(أوبسيديان) البركاني. ومعها تعرض مجموعة من التوابيت من الفخار التي كانت التماسيح توضع بداخلها».

وهنا يشرح عبد الحميد معروف، رئيس قطاع الآثار المصري، أن عبادة «الإله (سوبك)، أو التمساح، الذي صوره المصري القديم على هيئة إنسان برأس تمساح، انتشرت في منطقة كوم أمبو، وبنى الفراعنة له معبدا قرب شاطئ النهر.. وجرت العادة أنه عند وفاة التمساح بطريقة طبيعية، أو حتى عند قتله، يعامل على أنه حيوان مبجل، فتقام له طقوس التحنيط كاملة، ويدفن في جبانة خاصة، وتدفن معه قرابين تخصه من أوان فخارية مملوءة بالطعام وغيرها». وتابع: «الدفن كان يجري في شرق النيل بمنطقة من الطين الجاف في مجرات خاصة لها قبو، تغطى بسعف النخل، ويلف بعد التحنيط بلفائف من الكتان. وتعظيما لشأن التمساح، كانت عيونه تطعم بعيون صناعية حتى يصبح مرهوب الشكل قبل الدفن، وبعضها كان يوضع في مقاصير من الخشب الملون».

يذكر أن متحف التماسيح الجديد هو ثالث متحف موقعي في مصر، بجانب متحف أمنحتب بسقارة، الذي يعرض العمارة المصرية، وآثار سقارة. ويعتبر المتحف الجديد أكبر المتاحف عالميا التي تتخصص لحيوان واحد، وهو يتميز، خاصة، بعظمة موقعه بجانب الآثار، وبارتباطه بالحضارة وسلوك وثقافة بشر حول حيوان كانت منطقة كوم أومبو كلها تخضع لعبادته.

وقد تم الكشف عن مومياوات التماسيح وتماثيلها التي خرجت من منطقة كوم أومبو، وعكس مدى تفاني الإنسان المصري القديم في عشق التمساح وتبجيله، وظهر ذلك واضحا في تعامل الإنسان القديم مع مومياوات التماسيح، وقد وجد بعضها مرصعا برقائق من الذهب، وبالذات أسنانها المدببة المخيفة؛ فقد غطتها رقائق الذهب.

من ناحية أخرى، فإن موقع المتحف، الرابض فوق ربوة ترتفع 15 مترا عن منطقة ينحني عندها نهر النيل العظيم في شكل ساحر جذاب، في حضن معبد كوم أومبو. وهو يضفي على المنطقة بأسرها شكلا حضاريا يليق بسحر معبد كوم أومبو، حيث تتوقف المراكب لقضاء الليلة في هذه المدينة، مما يمنح فرصة للسائح لزيارة المعبد ومتحف التماسيح.

كذلك، يأتي إنشاء المتحف في إطار خطة لتطوير المنطقة الأثرية في كوم أومبو، التي تضم المعبد على شاطئ نيلها. وتشمل الخطة تغيير مدخل المعبد، وإنشاء المتحف، وإقامة سوق تجارية على كورنيش النهر، وإنشاء مبنى لقوات الشرطة السياحية يليق بعملية التطوير، وإنجاز كورنيش جميل يليق بالمكان والنهر.