المغرب: «غابة» في «سوق الخميس» في سلا

حيث حب المغروسات والشجيرات والنباتات يجمع بين الميسورين والفلاحين

شتول وأغراس وشجيرات من كل الأنواع في «سوق الخميس» («الشرق الأوسط»)
TT

في الصباح الباكر من كل خميس تغطي الأشجار والنباتات والزهور مساحات على رصيف الطريق الذي يمر أمام باب «سوق الخميس» في مدينة سلا، المدينة «التوأم» للعاصمة المغربية الرباط. وتعتبر «سوق الخميس» إحدى الأسواق الأسبوعية التي ظلت تنظم في سلا منذ أيام الاستعمار الفرنسي، وما زالت بعض المباني ذات الطابع «الكولونيالي» قائمة لتشهد على تلك الفترة من تاريخ المغرب.

البضاعة المثيرة للاهتمام في هذا السوق الأسبوعي هي مختلف أشكال المغروسات والنباتات، ومنها النباتات الزاحفة أو تلك التي لا تعلو فوق الأرض كثيرا.

وينبعث ضجيج لافت في الساحة حيث يعرض الباعة ما جلبوه للبيع أنواع النباتات المنزلية أو مغروسات الحدائق، خاصة أنهم يستعملون مكبّرات الصوت (الميكروفونات) للترويج لبضاعتهم، وحث وإغراء الزبائن على شراء ما يمكن أن يلفت أنظارهم.

هذه «الغابة» الأسبوعية، تعطي الزائر أو المشتري الانطباع بأنه موجود داخل فضاء مخصص للاسترخاء والراحة، وهذا على الرغم من أن غرضه الأساسي من زيارة هذا المكان هو شراء شجيرات الزيتون أو شتول النخل أو البرتقال أو التفاح أو مختلف المغروسات، وبينما هناك من يأتي لشراء مزهريات وزهور ستجد طريقها إما لحديقته الصغيرة، أو لوضعها في شرفة الشقة.

بعض زبائن سوق الأشجار الأسبوعي لا تربطهم بالضرورة علاقة بالزراعة، ويبدو الفارق واضحا بين فئات الوافدين على السوق الفريدة، ويمكن تصنيفهم إلى عدة مجموعات متميزة، هي: الفلاحون المحترفون الذين يسهل التعرف عليهم، ليس فقط من مظهرهم بل أيضا من كميات الشجيرات التي يشترون، ومن الشاحنات الكبيرة التي يستخدمونها لشحن مقتنياتهم من «غابة» السوق. أما المجموعة الثانية فتضم التجار والوسطاء الذين يغتنمون يوم السوق باعتباره مناسبة لعقد الصفقات، والاتفاق على مكان ويوم تسليم الشحنات المطلوبة، وكلما كانت الكمية كبيرة ينخفض ثمن الشجرة الواحدة. ثم هناك في المجموعة الثالثة، المزارعون المتوسطون والصغار الذين يسكنون في ضواحي سلا، وهم أصلا من الأهالي الذين كانوا يقطنون في هذه المنطقة قبل أن يزحف نحوها العمران وغابات الأسمنت. ولقد كانت في الماضي منطقة خلاء يسرّحون فيها دوابهم ومواشيهم، قبل أن تبدأ المباني الأسمنتية زحفها في كل اتجاه. وأخيرا، هناك المجموعة الرابعة هواة اقتناء الزهور والشجيرات لتزيين فيلاتهم وحدائقها، ومعظم هؤلاء من سكان العاصمة الرباط والمدن المجاورة لها، وهم عموما من الفئات الميسورة.

محمد السملي، الذي يبيع أغراس الأشجار في هذا السوق، قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقيناه «الأذواق تتباين وكل زبون يقتني ما يعجبه». وأضاف السلمي أنه يعرف مشترين «تستهويهم الأغراس التي لا تزهر ولا تورق ولا تثمر، بل هي فقط تسرّ الناظر إليها، وهي من نوع نباتات الصبّار المختلفة الأحجام والأشكال»، لكن زبائنه عموما يفضلون نباتات ذات أحجام صغيرة للغاية، يقبل عليها بكثرة أولئك الذين يسكنون في الشقق والمنازل الصغيرة حيث تضيق المساحات، ولا يتوافر فيها حيّز كافٍ للكثير من المغروسات. وبالتالي، «تراهم يضعونها في ممرات العمارات، أو في شرفة أو سطيحة الشقة، كما يضعون أيضا مزهريات توجد بها مختلف ألوان الزهور، وأخرى لنباتات عطرية وطبية مثل النعناع بجميع فصائله»، كما قال.

وحول أسعار هذه المقتنيات النباتية في السوق الأسبوعية، أوضح إبراهيم الحمداني، مشيرا إلى شجرة برتقال كبيرة ومثمرة، «هذه لن يكون ثمنها مثل الشجيرة الصغيرة، وذلك بسبب ما يتطلبه من جهد الحفاظ عليها ورعايتها حتى تصبح على هذا الشكل»، وتابع «السعر تحدده أيضا الكمية التي يريدها المشتري، لأن من يريد شجيرة واحدة ليس كمَن يرغب في شراء أكثر من شجرة، ولكن عموما يتراوح ثمن شجرة البرتقال بين 30 و40 درهما أي بين أربعة أو خمسة دولارات أميركية».

والواقع أنه تتحكم نوعية الشجرة أيضا في سعرها، لأن قيمة النخلة ليست هي في قيمة شجرة أخرى مثل الصنوبر أو الصفصاف أو أي نوع آخر لا يثمر. ويتراوح ثمن شتلة النخلة حسب عمرها بين 500 درهم و1500 درهم أي ما بين 55 دولارا و166 دولارا. وهناك، أيضا، فارق بين أسعار المغروسات والشجيرات، في حين تكاد أسعار الزهور تتساوى مع أسعار باقي النباتات مثل الحبق (الريحان) وغيره، وهي في متناول أولئك الذين يرغبون في تحويل شققهم أو منازلهم إلى حدائق صغيرة. وتتراوح أسعار الزهور والنباتات ما بين أربعة وثمانية دراهم، أي نحو دولار ونصف الدولار.

ويبقى القول إن اهتمام المغاربة يتزايد بظاهرة زراعة ورعاية النباتات والشجيرات ليس فقط في منازلهم أو إقاماتهم، وإنما أيضا في مختلف المرافق سواء الحكومية أو داخل شركات ومؤسسات القطاع الخاص. وفي بعض المدن، مثل أصيلة في شمال المغرب، تتحوّل الشوارع والأزقة إلى حدائق يعتني بها السكان، الذين يضعون أشجارا ومغروسات ونباتات متسلقة على أبواب منازلهم، وهو ما يفسر الإقبال على أسواق الأغراس والنباتات سواء في أماكن تخصّص بالأسواق الأسبوعية لهذا الغرض، أو بمختلف المشاتل المتخصصة في إنتاج النبات والأشجار والزهور في مختلف المدن المغربية.