ثلوج الجزائر.. متعة للأغنياء وتعاسة للفقراء

طقس بارد غير مسبوق منذ أكثر من 10 أيام

تسبب تساقط الثلوج على الجزائر بانخفاض غير مسبوق في درجات الحرارة (إ.ب.أ)
TT

يعاني سكان المئات من القرى والبلدات في الجزائر من «حصار ثلجي» استمر منذ أكثر منذ 10 أيام، تسببت فيه عواصف من البرد القارس لم تشهدها البلاد منذ 35 سنة. غير أن المثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد» ينطبق تماما على الأوضاع التي تعيشها البلاد. فميسورو الحال ابتهجوا بالثلوج وخرجوا للاستمتاع بها، وفي المقابل ازدادت حالة الفقراء سوءا، خاصة بعد توقف التموين بالغاز وانقطاع الكهرباء.

«الديوان الوطني للأرصاد الجوية» في الجزائر كان قد توقع استمرار العواصف الثلجية والأمطار الغزيرة حتى يوم غد، وأن تضرب 20 ولاية من أصل 48 ولاية تقع أساسا وسط وشرق البلاد. كذلك توقع الديوان أن يصحب الثلوج انخفاض غير مسبوق في درجات الحرارة يصل إلى 5 درجات تحت الصفر في بعض المناطق الجبلية، وبالتالي أعلنت حالة تأهب قصوى في البلدات النائية، التي انقطع فيها التموين بالغاز منذ أكثر من 10 أيام كنتيجة لتوقف حركة المرور على الطرقات بسبب تراكم الثلوج والجليد.

من جهة أخرى، تشهد نقاط التموين بالغاز المعبأ داخل القوارير، التابعة لشركة «نفطال»، طوابير طويلة تبدأ من الصباح الباكر وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل. وفي كثير من الأحيان يعود الباحثون عن الغاز بخفي حنين لنفاد المخزون. وأفاد مصدر من «نفطال» في تصريح له «الشرق الأوسط» بأن «الطلب يفوق 700 ألف قارورة غاز يوميا في الوقت الراهن». وأوضح أن الشركة «لديها القدرة على تلبية الطلب، لكن انقطاع الطرقات بسبب الثلوج حال دون وصول الإمداد إلى نقاط البيع».

وبلغ عدد المتوفين بسبب قسوة المناخ 46 شخصا، بحسب فرق الدفاع المدني التي انتشرت في مئات القرى والبلدات لكسر «الحصار الثلجي» عن مئات الآلاف من السكان. ووقعت أغلب الوفيات إما في حوادث سير على الطرقات التي غمرتها الثلوج، أو تأثرا بالظروف المناخية، ذلك أن كثيرا من الضحايا ماتوا من شدة البرد، بينهم عجزة وأطفال، لأن أجهزة التدفئة توقفت عن العمل وتيار الكهرباء انقطع، وهو ما خلف تذمرا واسعا في بعض القرى خاصة في ولايتي بومرداس وتيزي وزو والبويرة، الواقعة على بعد 70 و100 كلم جنوب شرقي العاصمة.

ويقول أحد أبناء بلدة حيزر بولاية البويرة، التقته «الشرق الأوسط»، إن المدارس في البلدة أغلقت أبوابها والدكاكين أغلقت أيضا، لنفاد المواد الغذائية فيها. وتابع قائلا «قمة بتيكجدة (أشهر قمم السلسلة الجبلية جرجرة) الجبلية البعيدة عنا ببضعة كيلومترات، يأتينا منها الآن سم قاتل. فبسبب العواصف الثلجية قطعت كل الطرق المؤدية إلى وسط مدينة البويرة، التي هي أصلا مقطوعة عن بقية الولايات، التي منها يأتي الإمداد بالغاز والمؤونة. وإذا ما استمر الوضع على هذه الحال أياما أخرى، فقد يهلك جميع سكان البلدة».

وبالفعل، هجر سكان القرى والدساكر القريبة من القمة الجبلية، بيوتهم التي دمرتها العواصف الثلجية. وكثيرون منهم ما زالوا محاصرين يترقبون وصول فرق الإنقاذ، التي تعاني بدورها من افتقارها للجرافات والعتاد الضروري لقهر جبال الثلج التي سجنت القرويين في أكواخهم.

ولكن بعكس هذه الصورة المؤلمة، أدخلت الثلوج البهجة والمرح إلى مئات البيوت بالعاصمة التي ارتدت مناطق كثيرة فيها حلة بيضاء. مع العلم أن كميات الثلوج المتساقطة فيها كانت أقل بكثير مما تهاطل على الولايات الأخرى الأكثر ارتفاعا. ولقد خرجت إلى الشوارع عائلات بأكملها تسكن أعالي العاصمة، مثل حيدرة والمرادية (مقر رئاسة الجمهورية) والدرارية وبابا حسن والدويرة والعاشور ووادي الرومان، وغيرها من الأحياء الموصوفة بمقر إقامة الأغنياء من وزراء حاليين وسابقين وكبار ضباط الجيش، ورجال الأعمال. ولم يجد كل هؤلاء صعوبة في التنقل بالخارج لأنهم يملكون سيارات رباعية الدفع. وبعضهم وضع السلاسل بالعجلات ليسهل عليه السير في الطرقات التي أغلقتها الثلوج.

وقال رجل أعمال يملك فيللات فاخرة بأحد الأحياء المذكورة معلقا: «الديكور الذي أحدثه تساقط الثلوج شيء غير مألوف في بلادنا، فقد اعتدت على السفر مع أولادي إلى القمم والمنحدرات الثلجية بجبال الألب في كل فصل شتاء، لكن هذا العام الثلج هو من أتى إلينا فوفر علينا مصاريف السفر إلى أوروبا».